خبير استراتيجي: "القضية الفلسطينية" مرتكز عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط و"الدولتين" هو الحل    جامعة الملك سعود تكرّم الطلاب والطالبات المتميزين في السنة الأولى المشتركة    ولي العهد في المنطقة الشرقية.. تلاحم بين القيادة والشعب    القيادة تهنئ الجنرال محمد إدريس ديبي إتنو بمناسبة فوزه في الانتخابات الرئاسية في تشاد    كلوب يدعم إلغاء العمل بتقنية «فار» بشكله الحالي    تدشين أول مهرجان "للماعز الدهم" في المملكة بمنطقة عسير    «هيئة النقل» تعلن رفع مستوى الجاهزية لخدمات نقل الحجاج بالحافلات    السالم يلتقي رواد صناعة إعادة التدوير في العالم    «تعليم جدة» يتوج الطلبة الفائزين والفائزات في مسابقة المهارات الثقافية    مفتي المملكة يشيد بالجهود العلمية داخل الحرمين الشريفين    استكمال جرعات التطعيمات لرفع مناعة الحجاج ضد الأمراض المعدية.    المملكة تتسلم رئاسة المؤتمر العام لمنظمة الألكسو حتى 2026    خادم الحرمين الشريفين يصدر أمرًا ملكيًا بترقية 26 قاضيًا بديوان المظالم    أمطار وسيول على أجزاء من 7 مناطق    جوزيه مارتينيز حكماً لديربي النصر والهلال    تشكيل الهلال المتوقع أمام النصر    9 جوائز خاصة لطلاب المملكة ب"آيسف"    كاسترو وجيسوس.. مواجهة بالرقم "13"    الإعلام الخارجي يشيد بمبادرة طريق مكة    ‫ وزير الشؤون الإسلامية يفتتح جامعين في عرعر    النفط يرتفع والذهب يلمع بنهاية الأسبوع    قرضان سعوديان ب150 مليون دولار للمالديف.. لتطوير مطار فيلانا.. والقطاع الصحي    بوتين: هدفنا إقامة «منطقة عازلة» في خاركيف    «الأحوال»: قرار وزاري بفقدان امرأة «لبنانية الأصل» للجنسية السعودية    رئيس الوزراء الإيطالي السابق: ولي العهد السعودي يعزز السلام العالمي    تراحم الباحة " تنظم مبادة حياة بمناسبة اليوم العالمي للأسرة    محافظ الزلفي يلتقي مدير عام فرع هيئة الأمر بالمعروف بالرياض    حرس الحدود يحبط تهريب 360 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    «عكاظ» تكشف تفاصيل تمكين المرأة السعودية في التحول الوطني    تشافي: برشلونة يمتلك فريقاً محترفاً وملتزماً للغاية    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    السعودية والأمريكية    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    فتياتنا من ذهب    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    حراك شامل    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    الدراسة في زمن الحرب    76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    فوائد صحية للفلفل الأسود    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    كلنا مستهدفون    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرباعية النبوية في التربية
نشر في اليوم يوم 23 - 03 - 2016

في ظل فشل كثير من وسائل التربية التقليدية التي أجهضتها المتغيرات المعاصرة، وعجز كثير من الوسائل المصنعة في بيئات أخرى عن القدرة على اجتذاب الشاب والفتاة في بيئتنا المحلية، والإهمال التربوي الذي أصبح من سمات ما يزيد على نصف المجتمع، كان لابد من العودة إلى المنهج الرباني النبوي الذي صدر عن أكمل المربين، وأعظم إنسان نجح في تربية جيل كامل، ونقله من كل تبعات الماضي السيئ، إلى رقيٍّ لم تعرف له البشرية مثيلا مطلقا.
وبعد دراسة متأنية لعدد كبير من الأحاديث النبوية الكريمة تبين لي أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتواصل مع الشباب خاصة، والأولاد عامة؛ ذكورا وإناثا، صغارا وشبابا، بعدة وسائل تربوية، أهمها أربع: التقبل الجاذب، والحوار الإيجابي، واللمسة التربوية، والدعاء المُلهِم، وتتحقق هذه الوسائل بوسائل أخرى، تتنوع وتتلون بحسب الظرف وسن المتربي، ويستخدمها الرسول المربي صلى الله عليه وسلم في مجموعة تعاملات تربوية أهمها أربع: المبادرة بالتوجيه والإرشاد، والتحبب إلى المتربي وتكريس العلاقة التربوية، وتعديل السلوك، والمساندة النفسية في حال الإخفاق.
وتكرار هذه الوسائل الأربع في هذه الميادين التربوية الأربعة في السنة والسيرة يدل على اطرادها، وأنها يمكن أن تكون منهجا ثابتا في التربية.
وأعني بالتقبل الجاذب: أن يتقبل المربي المتربي على ما هو عليه، مهما كان؛ ليرتقي به إلى ما يطمح أن يكون عليه، ولا يعني ذلك تقبل الخطأ الذي يقع فيه بالطبع. وله أساليب: منها قوليٌّ مثل: ندائه باسمه، أو بلقبه، أو بكنيته، أو بالإشارة إلى عمره: مثل: يا غلام، أو بالثناء عليه، أو بإشعاره بتقبله بطلب القرب منه صلى الله عليه وسلم. ومنها عملي: مثل التبسم، والضحك، والسماح له بالقرب.
وأعني بالحوار الإيجابي: ما يدور بين المربي والمتربي من حديث سواء أكان مجرد إخبار، أو توجيه، أو تعديل سلوك، أو تبادل أحاديث يقصد بها التسامر، ويكون مبنيا على الاحترام من المربي للمتربي، والتبجيل والتوقير من المتربي للمربي، ويهدف إلى الوصول إلى تحقيق هدف تربوي.
وأعني باللمسة التربوية: تلك اللمسات التي يقصد بها المربي الاقتراب النفسي من المتربي، وهي تلبية حاجة بشرية لا يستغني عنها الإنسان بطبعه، فالإنسان لا يستطيع العيش بأمان نفسي دون أن يلمس، خمسة ملايين خلية عصبية في الجلد تتعب، تتوتر، تريد رياضة، تريد تحريكًا حتى تبقى على حيويتها، وليس غير اللمس يعطيها البقاء والنضارة!
وقد قيل: «من لا يُلمس لا يحبُّ» والمساحة بين جسدي المربي والمتربي تتسع وتضيق حسب قدر الحب، ومن أنواع اللمس: الطبطبة، ومسحة الرأس، واحتضان الود، ولمة الخوف، ومسكة دافئة وحميمية لليد، وضربة ودود على الصدر، وحمل على العاتق أو على الظهر، ونحو ذلك.
إن لغة الجسد لا تعرف الكذب، ولها مفعول ساحر، ولغة اللمس أبلغ من لغة اللسان وأفصح، لأنها تصل للقلوب بلا حواجز، وتشعر الطرفين بالامتزاج، وخاصة من قُصِد من قبل المربي، وهي مفتاح التغيير نحو الأفضل إذا أُحسِن استخدامها.
وأعني بالدعاء المُلهِم: الدعاء الذي يُطلقه المربي أمام المتربي وهو يسمع، ويُضمنه ما يرغب المتربي فيه أن يتحقق، وما يرجو المربي من المتربي أن يحققه في مستقبل أيامه وحياته.
ولن تتسع المقالة سوى لمثال واحد، فليكن حديث الشاب معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث تجتمع فيه الرباعية النبوية بشكل مبهر، يقول معاذ: «أخذَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بيدي يومًا فقالَ: يا معاذُ، إنِّي واللَّهِ لأحبُّك»، فقالَ معاذٌ: «بأبي أنتَ وأمِّي يا رسولَ اللَّهِ وأنا واللَّهِ أحبُّكَ»، فقالَ: «أوصيكَ يا معاذُ لا تدَعَنَّ دُبرَ كلِّ صلاةٍ مكتوبةٍ أن تقولَ اللَّهمَّ أعنِّي على ذِكرِكَ وشكرِكَ وحُسنِ عبادتِكَ». [رواه النَّسائي وصححه الألباني].
ففي أَخْذِ النبي صلى الله عليه وسلم بيد معاذ تتعانق وسيلتان: التقبل واللمس، ثم تأتي الثالثة: وهي الحوار الجميل، الذي استهله الرسول الكريم بنداء معاذ باسمه الصريح، وهو مما تحبه النفوس عادة، فأنت أسعد ما تكون إذا ناداك أحدهم باسمك مباشرة، وثنى في حواره معه بالحب؛ حيث باح لمعاذ بمكنون قلبه تجاهه، وأقسم على ذلك، «إني والله لأحبك»، وفي رواية أنه كرر هذه العبارة ثلاثا، فاجتمعت تأكيدات أربعة: إنَّ، والقسم، واللام الداخلة في جواب القسم، والتكرار، والمقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وما كان معاذ يحتاج إلى كل هذا التأكيد، لكنها تكشف عمق هذا الحب النبوي العظيم الكريم، ولذلك أجاب معاذ بقوله: «بأبي أنتَ وأمِّي يا رسولَ اللَّهِ وأنا واللَّهِ أحبُّكَ» ففدَّاه بوالديه، وفتح له قلبه، ووجدها فرصة أن يعبر له عن الحب الذي هو فرض من فروض الإسلام لا يكمل إلا به.
في الواقع التربوي للعلاقة الوالدية، كلا المحبين المحبوبين يعرف أنه محبوب للآخر، ولكن التعبير عن الحب مهم جدا، وضروري من أجل دعم هذه العاطفة التي من طبيعتها التقلب في القلب، ولذلك تشهد كثير من الأسر تصحرا في العواطف، تركت الفرصة لمن يجتاحها من أول نظرة، وهو يريد بها الغرر والضرر، ولو علم المربون خطورة هذه الثغرة لما تركوها لغيرهم أبدا.
ويأتي الدعاء الملهم بحب الذكر والشكر وتجويد العبادة في هذا الحديث في شكل معلومة يزفها النبي إلى قلب الشاب بعد أن فتح مغاليق قلبه، وجعله روضة غناء تشتاق لغيث مغيث يتعهد ربيعها ليبقى أخضر يانعا.
بعدها.. حلَّق هذا الدعاء في السماوات عبر القرون من مليارات الحناجر المؤمنة، فلم ينسه معاذ، وما كان له أن ينساه، ومكث في الأرض كالينابيع الثرة الثرية الندية لمن قاله ورواه وبلغه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.