حرس الحدود يحبط تهريب 360 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    طلاب وطالبات السعودية يحصدون 9 جوائز خاصة في «آيسف 2024»    ضيوف بيت الله الحرام المغادرون من مطار أديسومارمو    387 مليون يورو في «ديربي الرياض»    النفط يتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية معتدلة وسط آمال تحسن الطلب    أسباب تمنع الأهلي المصري من ضم أحمد حجازي    استشاري ل«عكاظ»: قمة «الهلال والنصر» صراع جماهيري يتجدد في الديربي    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    تشافي: برشلونة يمتلك فريقاً محترفاً وملتزماً للغاية    «عكاظ» تكشف تفاصيل تمكين المرأة السعودية في التحول الوطني    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    1.6 ألف ترخيص ترفيهي بالربع الأول    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    الطاقة النظيفة مجال جديد للتعاون مع أمريكا    «الأقنعة السوداء»    السعودية والأمريكية    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    تقنية تخترق أفكار الناس وتكشفها بدقة عالية !    فتياتنا من ذهب    حلول سعودية في قمة التحديات    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    حراك شامل    الدراسة في زمن الحرب    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    فوائد صحية للفلفل الأسود    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    أثقل الناس    كلنا مستهدفون    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    خطر الوجود الغربي    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    سقيا الحاج    السفير الإيراني يزور «الرياض»    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد سعداوي: «اشتغلت عامل بناء لأقرأ الأدب».. و«فرانكشتاين البغدادي» مأزقنا جميعاً عامل
صاحب البوكر 2014م الذي «أدركته حرفة الفقر»
نشر في الرياض يوم 10 - 05 - 2014

طريقُ رواية "فرانكشفي بغداد" إلى "جائزة البوكر" لم يكن صدفة أو ضربة حظ. ليس لأن رواية أحمد سعداوي الفائزة، عملٌ فنيٌ مبتكرٌ حكايةً وشكلاً فحسب، بل لأن وراء الرواية، كاتبا لم يفكر بأن يكتب نصاً روائياً كي يشتهر وإنما أراد أن يكتب روايةً يُحب سعداوي أن يقرأها أولاً وأن يجدها في المكتبة العربية. بهذه الرغبة الصغيرة، ولد العمل الكبير، لروايةٍ " تحكي قصة هادي العتاك بائع أدوات مستعملة في حي شعبي ببغداد يقوم بتلصيق أشلاء بشرية من ضحايا الانفجارات اليومية، ثم يخيطها على شكل جسدٍ حديدي تحل فيه روح لا جسد لها لينهض كائنٌ جديد يسميه هادي العتاك "الشمسة" هو "فرانكشتاين في بغداد". ولأن تجربة سعداوي مع الكتابة والإبداع، أبعد من روايته البوكرية، نتوحد معه ليبوح لنا بعض ذكريات بداياته المضنية، في حوارٍ أجري بعيداً عن ضجيج العابرين؛ تحديداً في حجرته بالطابق السابع بأحد "فنادق" العاصمة أبو ظبي؛ المكان الذي بات فيه سعداوي ليلة الانتظار الطويلة والمقلقة، قبل الإعلان المدوي بفوزه، وبالتأكيد فوز كل من أحب رواية "فرانكشتاين في بغداد":
* نبدأ من حدث جائزة "البوكر"، هل كان لديك شعور داخلي بأنك الأجدر وبأنك ستفوز؟
- كانت لديّ ثقة كبيرة بالعمل الذي قدمته. هنالك إجابة شهيرة للمخرج الأمريكي جيمس كايرون، عندما سُئل عن الأفلام التي يريد إخراجها، فقال: "أسعى لإخراج الأفلام التي أسعى لمشاهدتها". وبالضبط، كنت أفكر بهذه الرواية وأنا أكتبها، بأن أكتب رواية أحب أن أقرأها وأحب أن أجدها في اللغة العربية. رواية أبحث عنها بين
كتابة الرواية فعل عزلة وحلم يقظة
لديّ ثلاثة مشاريع سأختار منها الرواية القادمة
كتبت رواية في ألف صفحة ولم أنشرها
استنساخ الكتب كان من أهم مصادر تثقيفي
الروايات وربما لا أجدها فأحب أن أكتبها وهو ما استغرق وقتاً طويلاً لكتاباتها (حدود الأربع سنوات) ولم أبخل بأي جهد يجعلها وفق النموذج الذي أبحث عنه. لذلك بعد أن انتهيت من الرواية وبعد أن اكتمل النص، كانت لدي قناعة كاملة بأن هذا النص وصل إلى المرحلة المثالية التي أريدها منه وأنه لا ينقصه شيء كي يصل للصورة التي كنت أطمح إليها. لذلك كنت أتوقع أن هذا النص سيحدث أثراً لدى القراء بصورة عامة ولدى النخب والمثقفين بصورة خاصة، وهو ما جعلني أشعر أن لدى هذه رواية (فرانكشتاين في بغداد) حظوظاً في جائزة البوكر والحمد لله أن هذه الثقة ترجمت لاحقاً، لأن أحصل على الجائزة.
* عندما وصلت روايتك للقائمة القصيرة، ولتدعيم ثقتك بروايتك أو لتهدئة قلق المنافسة. هل قرأت الروايات المرشحة الأخرى؟
- لا لم يتح لي الوقت لقراءة الروايات الأخرى المشاركة. لكني اطلعتُ اطلاعاً سريعاً على بعضها وعلى المطالعات النقدية التي كانت تنشر في الصحافة حول بعضها وتكونت لدي فكرة وتصور نسبي عن جودة وقوة هذه الأعمال وأنها تستحق المنافسة. وكنت أضع في الاعتبار أن فوز أي رواية من الروايات المنافسة سيكون النتيجة المنطقية مهما كانت ثقتي بروايتي لكن ليس شرطاً أن تكون الفائزة. وفي حفل البوكر لو أعلن عن فوز أي من الروايات الخمس ليس مستغرباً، لأنها أعمال جيدة وهي أفضل ما قدمته الرواية العربية خلال عام.
* لديك اشتغالات إبداعية متعددة قبل كتابتك للرواية، كالفن التشكيلي والشعر والأفلام، كيف استثمرت كل هذه الفنون في نصك السردي؟
- أؤمن بأن الرواية فن تركيبي. حسناً، الرواية تسرد حكاية في نهاية المطاف، لكن الحكاية مستوى من مستويات الرواية وعدم وجود حكاية في الرواية يدمر ويضرب العمود الفقري للرواية. لكن الرواية ليست فقط الحكاية. الرواية فضاء لمجموعة خطابات؛ منها خطابات اجتماعية وفلسفية وربما سياسية،. ثمة نظرة وقراءة للتاريخ. الرواية تحوي عدستين مكبرة ومصغرة، أولى تنظر لداخل الإنسان وأخرى مكبرة تنظر للحراك الاجتماعي العام. هذا على مستوى المضامين والمستويات العميقة في النص الروائي. على مستوى الاشتغالات؛ الرواية تستعير الطاقة الشعرية للشعر. تستعير التكثيف والشغل اللغوي والمباشرة الموجودة في الصحافة. وأيضاً تستعير مشهدية السينما والفوتوغراف وتستعير البناء البصري للفنون البصرية والتشكيلية، بقدر ما يحاول الروائي أن يستثمر هذه الإمكانات كوسائل تعبير داخل النص الروائي بقدر ما يرفع من مستوى التأثير والشد لدى القارئ. أيضاً هنالك قضية أعتبرها جد مهمة، وهي أن النص الروائي يوصل صوراً حسية وذهنية للقارئ. الصور الحسية وهي أنك بقدر ما تشغل كل حواسك في المشهد الذي تصوره، بقدر ما يزداد كثافة المشهد الذي تنقله. وأعتقد أن هذا الأمر موجود في "فرانكشتاين في بغداد". فهناك صور شمية يعبر عنها النص. وصور سمعية وأخرى لمسية وبصرية. حاولت دائماً أن لا ألغي أي حاسة من هذه الحواس لذا أنت تشعر دائما بالطقس، فأنت تشعر بالمكان والإضاءة والملمس. الأمر الذي يترك حضوراً كبيراً في ذهن المتلقي.
* ثمة تصور تشكل "عربيا" بأن أدباء الداخل وبسبب عزلتهم هم أقل جودة فنية، قبالة الأدباء العراقيين المنفيين منذ عقود. لكن اليوم يفوز بالبوكر روائي لم يخرج من العراق أساساً. لو تحدثنا عن هذه الثنائية وأين موقعك فيها؟
- هذه الثنائية خلقها وضع سياسي. عملياً هنالك ثقافة سعودية وأخرى مصرية وعراقية وهذا لا يحدد هويتنا الثقافية. اليوم أنت قادم من السعودية وأنا من العراق ونجلس في أبوظبي. نحن نقوم بنشاط تواصلي ثقافي وهو لا يتأثر لو كنا في باريس أو طوكيو، فالمكان لن يؤثر على هذه البيئة. فالانقسام بين ثقافة وأدب الداخل والخارج، كان لسبب وخلفية سياسية. أرى أن المتن الإبداعي الذي أنتج خارج العراق، ابتداءً منذ السبعينات تقريباً، منذ هاجر أدباء العراق واستقروا في المنافي وظلوا ينتجون ويخرجون لنا نصوصاً أدبية مهمة.. هذه النصوص عن ماذا كانت تتحدث، عن أناس عراقيين وعن رؤى وكتاب لم ينفصلوا عن ذاكرتهم. الكاتب فاضل العزاوي بقي كاتباً عراقياً وإن استقر مبكراً في أوروباً؛ إلا أن مزاجه بقي عراقياً وكذلك سعدي يوسف، انتهاءً بالأجيال الحديثة؛ التسعينات أي الجيل الذي أنتمي إليه والهجرات التي حدثت وصولا إلى مابعد ال (2003). هؤلاء الذي نسميهم كتّاب الخارج أو المنفى بقوا ينتجون نصوصاً تنتمي بمزاجها وقضاياها ومشكلاتها للوضع العراقي. يقابلهم كتاب الداخل. وهنا ربما يظن البعض أن هؤلاء الكتاب أقل اتصالا على مستوى التقنيات أو الامكانات أو الرؤى وأيضاً على مستوى مصادر التثقيف. هذا ليس دقيقاً، فكتاب الداخل كذلك كانوا على تواصل مع المستجدات الثقافية. في التسعينات اشتهرت ظاهرة في الثقافة العراقية، وهي ثقافة الاستنساخ. أن تأتي نسخة واحدة من كتاب (لذة النص) للوران بارت، تصل عن طريق مسافر أو بالبريد إلى بغداد؛ سرعان ما يتم تصوير هذه النسخة إلى مئات أو آلاف النسخ وتباع بأسعار زهيدة. وهكذا قرأت كونديرا ومحمد شكري (الخبز الحافي) عن طريق "الفوتو كوبي" وفي شارع المتنبي الشهير ببغداد كانت تباع الكثير من الكتب من قبل مكتبات تخصصت في التصوير.
أحمد سعداوي متحدثاً للزميل علي سعيد
* إذاً جزءٌ كبيرٌ من ثقافتك مدين لهذه النسخ؟
- بالتأكيد، لا حقاً (بعد 2003)، عندما كنت أسافر إلى بيروت، كنت أسارع لشراء النسخ الأصلية من الكتب التي قرأتها، ليس لكي أقرأها بل من أجل أن أمسك بالنص الأصلي. أضف إلى ذلك أن الكتب المستنسخة من الحبر الرخيص ومن كثرة الاستخدام، فإن هذه الكتب تتلف وتمحى. وأتذكر أن كتاباً مثل (الانهمام بالذات) لميشيل فوكو تم تصويره عن نسخة مصورة عن نسخة أخرى مصورة عن ثالثة مصورة، ولا تعرف كم نسخة صورت. بحيث أن أطراف الأسطر كانت مبتورة. فأنت تخمن أن هذه نون وهذا الحرف عين وذاك سين.. وهكذا كي تستطيع قراءة الصفحة كاملة. انظر للإصرار أن تمسك بقلم جاف أو حبر وتبدأ بالتخمين من السطر الأعلى حتى الأسفل، كي تصلح الكلمات وكأنك تمسك بجوهرة. وبهذه الطريقة كان المثقف العراقي بالداخل يقرأ وحتى بعد (2003) تفاجأ بعض المثقفين العراقيين الكبار من حجم التواصل الذي تم وكيف كان المثقفون يخترعون وسائل عديدة من أجل تلقف الجديد وتثقيف أنفسهم والتواصل وأن يبقوا على قيد الثقافة، إن جاز التعبير.
* لا أريد أن أنسى "الشسمه" بطل روايتك الأبرز، لو تحدثني كيف بنيت وسميت هذه الشخصية؟
- "الشسمه وهو فرانكشتاين البغدادي، هو كائن ينتمي لنا جميعاً. وربما فيه بعدُ كوني. بأن يكون يمثل الإنسان أي مكان في العالم. الإنسان الذي هو جُماع حافل بالمتناقضات.
أحمد سعداوي
"الشسمه" هو الانسان عارياً. الإنسان تحت ضوء شديد وليس في عتمة أوهام الشخصية. لدينا أوهام شخصية عن أنفسنا بأننا متماسكون وأننا متناغمون مع أنفسنا وأننا كل متماسك. لكننا الحقيقة بالتحليل والتأمل الذاتي، سترينا هذه الحقيقة أننا مجموعة متناقضات والانسجام مجرد شكل خارجي ووهم شخصي نفرضه على الآخر. هذه النظرة المعرفية للإنسان، درامياً تجسدت في إشكالية غياب المفهوم والروح الوطنية وصورة الوطن تحت طائلة التناحر الطائفي والمذهبي والإثني في العراق بالذات في سنوات من (2005) إلى (2007)، حيث العودة إلى المرجعيات الطبيعية من الطائفة إلى القبيلة إلى المعتقد الديني وكلها دوائر ضيقة ولا يمكن أن يقوم الشعور الوطني عليها. عصرنا وعالمنا هو عالم الدول الوطنية والدولة الوطنية دولة لا تؤسس نفسها استناداً إلى عرق أو مذهب وإنما إلى هوية المواطنة والحقوق المتساوية لجميع الأفراد. وحتى وإن كان هنالك بلد ينتمي كل أبنائه لديانة أو طائفة واحدة، ستجد أن الميول والرغبات والأفكار متباينة. فكرة أن تكون هنالك هوية واحدة صلبة وصلدة ومغلقة على نفسها، هي فكرة واهمة جداً. كل هذا كان خلفية درامية ورمزية لخلق شخصية "الشسمه" الذي هو نحن ومأزقنا جميعاً. المجرم يعيش مأزقاً مع نفسه قبل أن يعيشه مع الآخر. هو يعيش مأزقاً مع شرطه الإنساني قبل أن يتحول إلى مأزق مع كائن يحوله إلى ضحية وهذا ما كنت أفكر فيه بغض النظر عن الجريمة التي ترتكب ومن هو الجاني ومن هو الضحية، جنائياً. وبغض النظر عمن قتل أكثر: " هل قتلت الطائفة أو المكون (أ) أكثر من الطائفة أو المكون (ب) بصرف النظر عن البعد الجنائي، هنالك بعد إنساني أعمق، بأن الجريمة حدثت في منطقة أعمق؛ الجريمة حدثت في أنفسنا ودواخلنا وهذه المنطقة التي يجب أن تحاكم وهي المنطقة التي يلعب فيها الأدب الإنساني.
* تحدثت عن رمزية صراع المكونات والهويات في ما يخص "الشسمه"، أيضا في روايتك تركيز واحتفاء بالهويات بغدادياً، كالبيت اليهودي أو السيدة المسيحية؟
- مجتمع الرواية يشكل واحد من التجسيدات الرئيسة لفكرة الرواية. في هذا مجتمع، نجد هذا التنوع والتعدد الطيفي للمجتمع العراقي، بل ان اختيار حي البتاوين ليكون مسرحاً لأحداث الرواية، هو اختيار مقصود، لأن البتاوين هو حي متعدد الطبقات عمودياً وأفقياً. هو حي تأسس في بدايته وسكنه يهود عراقيون قبل تهجيرهم في الخمسينات ثم تحول إلى حي مسيحي بمختلف الطوائف المسيحية ثم لاحقاً، صار ذا غالبة مسلمة. إذاً لدينا تنوع زمني وآخر مكاني، فنحن نجد كنائس مسيحية ومعابد يهودية ونجد أنماطاً متعددة من حياةٍ ترينا صورة مصغرة عن العراق أجمع. فمجتمع ومكان أحداث الرواية يمثل واحدا من انعكاسات "الشسمه". البيئة المثالية "للشسمه" أن يظهر في هذا المكان، بقلب بغداد وفي البتاوين.
* تنتمي روايتك لما يمكن تسميته بالرواية العراقية الجديدة التي تركز على القص وليس اللغة الشعرية. هل روايتك الفائزة هي ذروة ما بلغته الرواية العراقية المحتفية بالقص؟
- لا استطيع أن أحكم على عملي الروائي ضمن السياق الثقافي ولا استطيع أن أدعي أن روايتي متفوقة على زملائي المشتغلين في حقل الرواية. هنالك أسماء تقدم نماذج متقدمة في الرواية العراقية. أنا ضد التنميط وفرض نمط روائي محدد. تزدهر الرواية عندما تتعدد الاشتغالات والأمزجة الفنية والفكرية، لأن الجمهور أصلاً هو جمهور متنوع فكلما كانت الرواية متنوعة، كلما استطعنا الحصول على قطاع أوسع من القراء.
* أحمد، أنت عانيت كثيراً في حياتك، لم تكتب بقلم من ذهب والتعلم والأدب كان تجربة عصامية في حياتك، لو نستعيد بعض الذكريات من تجربة بناء ذاتك الأدبية، من الإنسان الذي عانى الفقر وكان أحيانا لا يجد أجرة حافلة تقله للجامعة؛ واليوم هو نجم "البوكر"؟
- لا أرى أن ثمة شيئا استثنائيا، وما مررت فيه في حياتي اشترك فيه مع أشخاص كثر في العالم وخاصة في العراق، حيث ملايين من الناس اشترك معهم في ما مررت. هنالك شيء أساسي مؤمن به. انك بقدر قوة الحلم الذي بداخلك، ستحقق إنجازاً ما لاحقاً، بقدر إيمانك بإمكانياتك والهدف الذي تسعى إليه ستحصل على نتائج. لا توجد أي ظروف مثالية عاشها أي أديب حول العالم في أي ثقافة أو أي شعب أو في أي زمن كان. حتى في التراث العربي نرى أن الاديب أو صاحب القلم، يعاني. حتى أن يتورط بعالم الكتابة والأدب. دائما الكتابة والإنتاج الإبداعي تخرج من ظروف يعانيها الجميع لكن قوة الحلم وقوة الإرادة هي التي تساعد شخصاً ما على إعادة صياغة نفسه وفق طموحه. لكن الغالبية من الناس يتم إعادة صياغتهم وفق الاشتراطات الاجتماعية العامة، فينتهون لأن يكونوا ممثلين للمجموع العام واشتراطاته. وهنالك قلائل يتمردون على الاشتراطات الاجتماعية العامة ويحاولون صناعة أنفسهم وفق اشتراطاتهم هم لأنهم بالتأكيد يعاكسون التيار لذا سيتكبدون ضرائب نفسية ومعاناة أكثر. وفي فترة من الفترات عندما تحصل على مبلغ مالي لقاء عملٍ يدوي "العمالة" أي بالعراقي الشغل في أعمال البناء، فهناك من يذهب لشراء ملابس.
* أنت اشتغلت في أعمال البناء؟
- طبعا. أقول ان هناك من يأخذ ذلك المبلغ لكي يشتري ملابس تظهره بشكل أنيق بين الناس، بينما هنالك من يأخذ أجره اليومي لكي يشتري كتباً. أو هناك من يحاول تعلم أعراف السوق لكي يصبح تاجراً يجني الأرباح وهناك من يحاول أن يجد مصادر للتعلم وبدل أن ينفق وقته لكسب الأموال ينفق وقته للبحث عن الكتب وتصويرها وقراءتها، كل هذا سيترك ضرائب على هذا الشخص. أنت لا يمكن أن تقوم بكل هذا في وقت واحد، بأن تكون تاجراً وشاعراً في نفس الوقت، هذا مستحيل. فأنت كإنسان لديك وحدات زمن وطاقة محدودة وأين ستنفقها؛ يعني ضياعها في هذا المسار. وأنا شخصياً مثل كثير من الكتاب والمثقفين، أنفقت عمري في القراءة والكتابة وهي أعمال في عالمنا العربي لا تؤدي للكسب المادي، للأسف؛ وبالتالي ستبقى تعيش في ظروف مادية متواضعة وبسيطة ولا تستطيع الحصول على كل شيء تريده. الأدب في عالمنا العربي لا يخلق ثروات بالتأكيد.
* لو تذكرنا بالمنعطف الذي حولك من قارئ للأدب إلى كاتب؟
- نقطة البدء تبدو غائمة، فأنا منذ طفولتي كنت أكتب وأمارس فعاليات متعددة، لكنها كانت أنشطة طبيعية لطفل ذكي وموهوب. لكن القرار الواعي بأن أصبح كاتباً، جاء في مراحل متقدمة من عمري. في العشرينيات. وكما هو معهود في الثقافة العراقية ذات الطابع الشعري، فإن أي موهبة كتابية ستجد أنها تتجه للشعر. لهذا دخلت مجال الشعر كتابة وقراءة وتواصلاً مع مجتمع ثقافي ونشرت نصوصي الأولى في منتصف التسعينيات ثم نشرت مجاميعي الشعرية الثلاثة بطريقة الاستنساخ، كان آخرها ما صدر عام (2001) في مدريد. وهي أيضا بنسخ محدودة وكان اسمها (عيد الأغنيات السيئة).
* التحول للرواية، كيف حدث؟
- كنت أكتب قصصاً أثناء كتابتي للشعر. والأمر لم يكن انتقالا من غرفة لأخرى وإنما هي وسائل تعبير كنت أمارسها في الوقت ذاته وإن كان بطريقة عشوائية ومزاجية لا تخضع لإستراتيجية معينة. خلال عقد التسعينيات كتبت عدة نصوص روائية مخطوطة لكني لم أنشرها. واحدة من هذه الروايات اسمها (المتلفت)، لو طبعت الآن لصدرت في ألف صفحة. وكنت أكتبها على سجلات ورقية وبقلم جاف وأخذت مني وقتاً طويلاً. هذه النصوص الروائية الأولى غير المنشورة كانت تمريناً مهماً لهضم ما قرأته من الروايات وهضم ما أريده من الرواية وأعطتني عينات ملموسة أستطيع أن أحاكمها للنص الذي أكتبه. وصولاً لعام (2001) كتبت روايتي الأولى التي اعترفت بها (البلد الجميل) وتأخر صدروها حتى عام (2004) ونالت لاحقاً المركز الأول بين الروايات العربية في مسابقة مجلة الصدى الإماراتية عام (2005). وهكذا تبين لي أنني أريد أعبر من خلال النص الروائي رغم أنني لم أترك الاشتغالات الأخرى، لكني أسعى على أن يركز القارئ على كوني روائياً وأجد أن النص الروائي يعطيني طاقة وساحة أكبر للتعبير؛ حتى التعبير الشعري، استطيع أن أمرره من خلال النص الروائي. الرواية تمثل تحدياً كبيراً وربما هي النص الأعلى بين الفنون الكتابية وفيها مغريات كبيرة والإنجاز الذي ممكن أن تحققه في فضاء الرواية هو انجاز كبير.
* هل لديك عمل روائي جديد بعد "فرانكشتاين في بغداد
- لدي ثلاثة مشاريع روائية. واحد من هذه المشاريع كتبت مسودته الأولى كاملةً. ومشروع آخر مخطط، كتبت منه فصولاً. في هذه اللحظة لا أعرف بالضبط أي هذه المشاريع سيكون المشروع الروائي اللاحق. الكتابة فعل عزلة. وجودي داخل الصخب العام الخارجي، مناخ لا يساعد على الكتابة الروائية بالتحديد. الكتابة هي حلم يقظة، عندما تصدق حلم اليقظة فإن صلتك بالعالم الخارجي تضعف، على الأقل إجرائياً لفترة انجاز الكتابة. عندما تكون حاضراً في الجو العام ومتفاعلاً معه هذا لا يساعد على نضوج حلم اليقظة. هذه الفترة لازلت في الجو العام وربما في الفترة القادمة سأتمكن من العودة لعزلة الكتابة. متشوق كثيراً للخوض في خضم مشروع روائي جديد، لأن المتعة الأكبر بالنسبة لي هي متعة الكتابة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.