حرس الحدود يحبط تهريب 360 كيلوجرامًا من نبات القات المخدر    طلاب وطالبات السعودية يحصدون 9 جوائز خاصة في «آيسف 2024»    ضيوف بيت الله الحرام المغادرون من مطار أديسومارمو    387 مليون يورو في «ديربي الرياض»    النفط يتجه لتحقيق مكاسب أسبوعية معتدلة وسط آمال تحسن الطلب    أسباب تمنع الأهلي المصري من ضم أحمد حجازي    استشاري ل«عكاظ»: قمة «الهلال والنصر» صراع جماهيري يتجدد في الديربي    الفرصة ماتزال مهيأة لهطول أمطار على معظم مناطق المملكة    تشافي: برشلونة يمتلك فريقاً محترفاً وملتزماً للغاية    «عكاظ» تكشف تفاصيل تمكين المرأة السعودية في التحول الوطني    جامعة الملك خالد تدفع 11 ألف خريج لسوق العمل    1.6 ألف ترخيص ترفيهي بالربع الأول    الكليجا والتمر تجذب زوار "آيسف 2024"    الطاقة النظيفة مجال جديد للتعاون مع أمريكا    «الأقنعة السوداء»    السعودية والأمريكية    العيسى والحسني يحتفلان بزواج أدهم    5 مخاطر صحية لمكملات البروتين    تقنية تخترق أفكار الناس وتكشفها بدقة عالية !    فتياتنا من ذهب    حلول سعودية في قمة التحديات    تضخم البروستات.. من أهم أسباب كثرة التبول    بريد القراء    الرائد يتغلب على الوحدة في الوقت القاتل ويبتعد عن شبح الهبوط    ابنة الأحساء.. حولت الرفض إلى فرص عالمية    الاستشارة النفسية عن بعد لا تناسب جميع الحالات    الإطاحة بوافد مصري بتأشيرة زيارة لترويجه حملة حج وهمية وادعاء توفير سكن    حراك شامل    الدراسة في زمن الحرب    الشريك الأدبي وتعزيز الهوية    التعليم في المملكة.. اختصار الزمن    صالح بن غصون.. العِلم والتواضع        76 مليون نازح في نهاية 2023    فصّل ملابسك وأنت في بيتك    ولي العهد يلتقي الأمين العام للأمم المتحدة وملك الأردن والرئيس السوري    WhatsApp يحصل على مظهر مشرق    رئيس موريتانيا يزور المسجد النبوي    فوائد صحية للفلفل الأسود    حق الدول في استخدام الفضاء الخارجي    العام والخاص.. ذَنْبَك على جنبك    أثقل الناس    كلنا مستهدفون    لماذا يجب تجريم خطاب كراهية النساء ؟    ايش هذه «اللكاعه» ؟!    خطر الوجود الغربي    البنيان يشارك طلاب ثانوية الفيصل يومًا دراسيًا    أمير القصيم يرفع «عقاله» للخريجين ويسلم «بشت» التخرج لذوي طالب متوفى    النفط يرتفع والذهب يلمع    أمير تبوك يرعى حفل جامعة فهد بن سلطان    بمشاركة السعودية.. «الحياد الصفري للمنتجين»: ملتزمون بالتحول العادل في الطاقة    أمير تبوك يطلع على نسب إنجاز مبنى مجلس المنطقة    سقيا الحاج    السفير الإيراني يزور «الرياض»    أمين العسيري يحتفل بزفاف نجله عبد المجيد    خادم الحرمين الشريفين يصدر عدداً من الأوامر الملكية.. إعفاءات وتعيينات جديدة في عدد من القطاعات    رحالة فرنسي يقطع ثمانية آلاف كلم مشياً على الأقدام لأداء مناسك الحج    رعاية ضيوف الرحمن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار طويل تنشره "الوسط" على حلقات . مراد غالب يتذكر دولة اسمها الاتحاد السوفياتي . موسكو حذرت مصر مسبقاً من ضربة 1967 لكنها رفضت ارسال طيارين للمشاركة في القتال 1
نشر في الحياة يوم 13 - 04 - 1992

الدكتور مراد غالب، الرجل الذي ارتبط اسمه بالاتحاد السوفياتي في سنوات طويلة، يتذكر. يتذكر الاتحاد السوفياتي الذي كان. يتذكر العلاقات المصرية - السوفياتية. ويكشف، عبر ذكرياته هذه، معلومات جديدة واسراراً وقصصاً مثيرة عن هذه الدولة الكبرى التي كانت، ذات يوم، الحليف الاول للعرب في الساحة الدولية.
مراد غالب، يروي ذكرياته هذه لپ"الوسط" في حوار طويل مع عمرو عبدالسميع سننشره على حلقات ابتداء من هذا العدد.
واهمية ما يقوله مراد غالب في ذكرياته هذه نابعة من ان الرجل شغل منصب سفير مصر في موسكو لمدة 10 سنوات، وانه عين في عهد الرئيس الراحل انور السادات وزيراً للخارجية ثم وزيراً للاعلام، وهو يتابع، حتى اليوم، ما يجري في الجمهوريات التي كانت تشكل الاتحاد السوفياتي، الى حد انه يعتبر من ابرز الخبراء المصريين في الشؤون السوفياتية والروسية. وفي ما يأتي الحلقة الاولى من ذكريات مراد غالب:
في الثامنة من صباح السادس من حزيران يونيو 1967، كان الدكتور مراد غالب سفير الجمهورية العربية المتحدة في موسكو يخطو في عجالة عبر البهو المؤدي الى الباب الخارجي لمبنى السفارة المصرية العتيق القابع في شارع "الجرتسينا" المسمى باسم احد كبار الكتّاب السوفيات. امام الدرج توقفت سيارة داكنة سوفياتية الصنع من النوع الذي اصبحت السفارة المصرية تستخدمه بعد العربات "الزيم" وهي سوفياتية ايضا، ثم العربات الاميركية "شيفرولية" واخيرا "شايكا" السوفياتية واسمها يعني سيجال.
دخل الدكتور مراد الى السيارة التي يرفرف على مقدمتها علم الجمهورية العربية المتحدة بالوانه الثلاثة، الاحمر والابيض والاسود، وتتوسطه نجمتان ترمزان الى الوحدة المصرية - السورية التي كانت قائمة آنذاك.
ارتسمت علامات القلق والهم العميق على وجه الدكتور مراد، وسرح ينظر عبر زجاج نافذة السيارة وكأنه لا يعرف موسكو العاصمة التي امضى فيها اربعة عشر عاما، ديبلوماسيا يمثل بلاده في اهم الحواضر العالمية التي تتعامل معها.
لم يلتفت مراد غالب الى منظر النسوة العجائز اللاتي يقمن بأعمال النظافة في شوارع العاصمة السوفياتية، ولا منظر البراعم الجديدة وهي تشق طريقها الى الحياة باصرار فوق اغصان اشجار المدينة، كعادتها في هذا الشهر من كل عام، ولم يلحظ الجندي الذي افسح الطريق بحزم للسيارة الديبلوماسية وقد ارتسم على وجهه تعبير جليدي لا حياة فيه. مرت الدقائق الاربع التي استغرقتها السيارة "الشايكا" في قطع الطريق بين مبنى السفارة المصرية ومبنى الكرملين، على بعد كيلومترين، وكأنها اربعة اعوام، كانت صور كثيرة تتراءى وتتتابع في مخيلته عن احداث الاسبوعين السابقين.
كلمة سيمينوف نائب وزير الخارجية السوفياتي التي أسرّ بها في أذن الدكتور غالب قبل شهر كانت تطن في رأسه كنحلة لا تهدأ ولا تعتزم الرحيل: "سيضربونكم. الاحتكارات العالمية غير راضية عن سلوككم في المنطقة. سيضربونكم".
عبرت السيارة امام المبنى التاريخي للكرملين بينما كانت الشمس تعكس اشعتها بحدة على قبابه المذهبة… وتوقفت "الشايكا" امام درج يؤدي الى مبنى اداري مهيب. وفي دقيقتين كان احد الموظفين يفتح بابا كبيرا من خشب الجوز ليجد الدكتور غالب نفسه امام أليكسي كوسيغين رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي، الذي قابله بوجه ممتقع تختلط في ملامحه مشاعر الغضب والحزن. وبصوت واهن تمتم: "دكتور غالب، لقد سقطت العريش صباح اليوم".
هذا المشهد الحزين، صباح بدء حرب 1967، ربما كان - ولا يزال - من اللحظات الدراماتيكية المهمة في تاريخ مراد غالب الديبلوماسي والسياسي المصري الذي ارتبط اسمه، لسنوات طويلة، باسم الاتحاد السوفياتي، من جهة لانه شغل منصب سفير مصر في موسكو لمدة 10 سنوات في مرحلة من اهم وادق مراحل العلاقات العربية - السوفياتية، ومن جهة ثانية لانه ظل متابعا تطورات الوضع في هذه الدولة الكبرى، من مواقعه المختلفة، الى ان انهار الاتحاد السوفياتي وانتهى وتفكك الى جمهوريات وتجمعات جمهوريات.
ولنبدأ الحوار مع مراد غالب من البداية:
ما زالت هناك فصول غير واضحة في قصة العلاقات المصرية - السوفياتية، وبالذات الفصل الخاص بالدور السوفياتي بعد حرب 1967، وذلك المتعلق ايضاً بالخلافات بين الرئيس الراحل انور السادات والقيادة السوفياتية. فهل آن الآوان لتروي لنا بعض ما تعرفه عن هذين الفصلين؟
- قبل 67، شهدت حركة تحرير الشعوب انحسارا كبيرا وبالذات في عامي 65 و1966، واختفى من فوق خشبة المسرح السياسي زعماء هم نجوم ورموز هذه الحركة، مثل كوامي نكروما في غانا واحمد بن بللا في الجزائر واحمد سوكارنو في اندونيسيا. اما عن مصر فكانت علاقاتها مع الولايات المتحدة بدأت في التدهور منذ 1965، وبدا الرئيس ليندون جونسون وكأنه قد عقد العزم على المضي بهذا التدهور الى نهايته. عند هذه النقطة - المفصل كان الهجوم بدأ على حركة تحرير الشعوب وبالتالي على الوجود السوفياتي في العالم الثالث، أضف الى هذا تصاعد القصف في فيتنام وحصار الصين الى حد كبير. ووسط هذه الظروف شهدت دمشق تغييرا سياسيا مهما، وصفه المراقبون بأنه جنوح الى اليسار، وتولت الحكم ترويكا سورية بزعامة نور الدين الأتاسي.
وبعيدا... بعيدا عن الشاطئ المطل على الاطلسي كان هناك في الولايات المتحدة من يفكرون - بدأب - بضرب نوعية الانظمة التي اصبحت موجودة في الشرق الاوسط، مثل النظام المصري والنظام السوري، كجزء من تصفية حركة تحرير الشعوب وضرب النفوذ السوفياتي في المنطقة.
وسار السيناريو الاميركي في طريقه المرسوم: قطع المعونات عن مصر، ثم شروط اربعة قدموها بواسطة سفيرهم في القاهرة الى الرئيس عبدالناصر، واعادوا تقديمها بواسطة مبعوثين كثيرين، وتشمل الشروط الاربعة الامور الآتية:
1 - ان تقبع مصر داخل حدودها وتكف عن التحرك باسم القومية العربية.
2 - تحديد حجم وتسليح القوات المسلحة المصرية.
3 - حق التفتيش على المنشآت الذرية المصرية.
4 - الصلح مع اسرائيل.
وتتابعت الاحداث، لتبدأ بتحرش اسرائيل بسورية، ثم معركة اسقاط الطائرات الشهيرة فوق سورية، واخيرا الحشود الاسرائيلية في مواجهة الجولان. قبل هذا كله واثناءه كان السوفيات دائمي التحذير لنا من نوايا غربية عدوانية تجاهنا.
هل ابلغوكم بهذا رسميا؟
- في مثل هذه الامور لا يلجأ السوفيات الى الطرق المتعارف عليها في الافصاح عما تعتقده قيادتهم العليا، ولكنهم يعمدون الى تمرير الرسائل غير الرسمية. وأذكر - قبل شهر من عدوان 1967 - ان سيمينوف نائب وزير الخارجية السوفياتي انتحى بي جانبا في احدى حفلات الاستقبال في مقر سفارة عربية في موسكو، وهمس في أذني: "انتبهوا… سيضربونكم… الاحتكارات العالمية غير راضية عن سلوككم في المنطقة… سيضربونكم". ولفت انتباهي بعد هذه الواقعة ان سيمينوف تعمد تكرارها امام عدد كبير من المبعوثين المصريين، والموظفين الذين كان يلقاهم بكثرة، فقد كان لمصر في موسكو مكاتب كثيرة احدها للسد العالي والآخر للعلاقات التجارية، ومكتب للمشتريات العسكرية، ومكتب للتصنيع، يشرف على كل المشاريع الصناعية المصرية - السوفياتية، بالاضافة الى مكاتب الملحقين العسكريين، باختصار كان لمصر مجلس وزراء مصغر في موسكو، وكان ابلاغ الرسائل في كثير من الاحيان يتم بشكل غير مباشر كما فعل سيمينوف. تتابعت بعد ذلك الاحداث وبدأت الحشود الاسرائيلية على الحدود السورية، ثم اغلقت مصر مضائق تيران، وجاء الى موسكو السيد شمس بدران وزير الحربية موفدا من الرئيس عبدالناصر، والتقى كوسيغين رئيس الوزراء، والماريشال غريتشكو وزير الدفاع، وفي هذا الاجتماع ابدى السوفيات انزعاجا شديدا من اغلاق مضائق تيران، وأخبروا بدران ان على مصر ان تحافظ على مكاسبها وتنجح في تفويت الفرصة للتدخل العسكري بان تتراجع عن خطوة اغلاق المضائق وتحريك قواتها الى الحدود. كان كوسيغين هو الذي يوجه هذه الملاحظات مباشرة لشمس بدران، حتى ان الماريشال غريتشكو لاحظ ان جو الزيارة كان كئيبا ربما اكثر من اللازم، وقد يكون محبطا للمصريين، فقال لشمس بدران وهو يقوم بايصاله الى باب الطائرة: "نحن معكم"، وعاد شمس الى القاهرة ليتجاهل كل ما سمعه من كوسيغين وينقل الى القيادة الانطباع الهوائي الذي تركته في ذهنه عبارة غريتشكو المجاملة عند باب الطائرة!
عموما كانت فترة السنتين اللتين سبقتا عدوان حزيران يونيو 1967 غريبة جداً في تاريخ مصر، وترك النزاع والصراع بين مؤسسة الرئاسة بقيادة عبدالناصر والمؤسسة العسكرية بقيادة عبدالحكيم عامر آثاراً بالغة السوء على طريقة ادارة الازمات، وادارة العلاقات الدولية. وحتى اثناء العدوان كادت تحدث قطيعة بين مصر والسوفيات بسبب ان القيادة العسكرية المصرية التي فقدت اعصابها، ارادت تحميل السوفيات كل مسؤولية الكارثة. وعلى رغم ذلك جاءتني في السادس من حزيران يونيو 1967 وفي الصباح الباكر - قبل اجتماعي الى كوسيغين - قائمة طلبات مستحيلة التنفيذ يرجح ان القيادة العسكرية كانت وراءها، مثل طلب باشتراك طيارين سوفيات في المعركة وبالطبع كانت نتيجة تقديم هذه الطلبات الى رئيس الوزراء السوفياتي، ان استمعت الى محاضرة طويلة عن ان دور موسكو ينحصر في مراقبة الاسطول السادس الاميركي في البحر المتوسط والتحرك الى جواره لمنعه من التدخل في العمليات.
الا ان كوسيغين لم تفته المناسبة، وهو يوجه حديثه اليّ بحزن، ان يتساءل عن حقيقة الاستعدادات المصرية للحرب، وعن هذا الكلام الذي استمع اليه طوال اسبوعين من الجانب المصري ختاماً بما سمعه شخصيا من شمس بدران وزير الحربية والذي يفيد ان مصر مستعدة للمواجهة، وما زالت صورة كوسيغين ترتسم في ذهني وهو يهز رأسه مطرقاً الى لوح البللور الذي يغطي مكتبه ويتساءل: "اي استعداد"؟
الخوف من هزيمة ثانية
ألا ترى ان لهجة التوبيخ السوفياتي هذه بدأت مبكرا اكثر من اللازم؟
- لم يكن توبيخا ولكنه تعبير عن تألمهم الشديد مما يجري، كانت الهزيمة المصرية، بشكل مباشر هزيمة لهم. عاصفة من التساؤلات اجتاحت موسكو بعدما انقشع الدخان وظهرت نتيجة الحرب، وما زلت اذكر مقولة غريتشكو لي في التعليق على نتيجة الحرب والتي رددت صداها اعمدة الكرملين الرخامية: "لو ان كل دبابة مصرية اطلقت طلقة واحدة لتغيرت نتيجة الحرب"!! لقد عانت القيادة السوفياتية من حملة انتقادات عنيفة داخل موسكو بمقدار ما عانينا نحن من انتقادات القيادة السوفياتية. كان الجميع يتساءلون: "ما هؤلاء العرب الذين نتحالف معهم؟".
في مجتمع تعبوي مثل الاتحاد السوفياتي الا تعتقد ان مثل هذا الاتجاه كان مدفوعا بقوة ما؟
- ما أرويه هو ما حدث بحذافيره، الهجوم على القيادة السوفياتية بعد حرب 67، كان بشعاً، حتى من داخل الحزب الشيوعي نفسه، ونشطت الدعاية الصهيونية واليهودية بشكل كبير وغير مسبوق ايضا داخل الاتحاد السوفياتي.
حتى سائقو التاكسي كانوا يرفضون ركوب اي عربي، لأنهم اعتبروا ان العرب كحلفاء خذلوهم خذلاناً كبيراً، وشاركوا في تحطيم السمعة العسكرية السوفياتية.
وما كان من القيادة السوفياتية سوى انها انزلت الحزب بقياداته ووزارة الخارجية بقيادتها، لجمع يهود الاتحاد السوفياتي في مؤتمر كبير عقد في آب اغسطس 1967، لكي يشرحوا لماذا انهزم العرب؟ وما هي اسباب حرص القيادة على استمرار التحالف مع العرب؟! وقد أصاب هذا الاجتماع المواطنين السوفيات بالذهول، لأنهم اكتشفوا للمرة الاولى ان الكثير ممن يعتبرهم المجتمع السوفياتي نجوما ورموزا هم من اليهود، شخصيات مهمة وخطيرة، مثل بليس كايانا راقصة الباليه المعجزة، وديميشتسل نائب رئيس وزراء الاتحاد السوفياتي، ومجموعة من اكبر اطباء وكتاب وفناني روسيا. وفي هذا الاجتماع اطلقت التجمعات اليهودية عدداً من النظريات الغربية، وبدا ان الاتحاد السوفياتي، من اقصاه الى اقصاه، يعيش حالة مساجلة سياسية حول نتيجة الحرب العربية - الاسرائيلية، كان اليهود يقولون: ان المصريين لم يحاربوا ابداً، وحتى - تاريخيا - كانت انتصاراتهم العسكرية على يد المماليك، او على يد محمد علي، بينما كان الشعب المصري منفذاً فقط!! ونظريات اخرى - ما أنزل الله بها من سلطان - تتردد في جنبات هذا الاجتماع وفي اجتماعات اخرى تلته.
في الوقت نفسه بدأت في مصر حملة تمثل جانباً آخر من جوانب المساجلة راحت تتحدث عن بلادة السلاح السوفياتي وتخلفه وانتقلت الكرة الى الملعب السوفياتي لتسمع من يقول: "الفيتناميون يقاتلون بالسلاح الروسي، والكوريون حاربوا بأسلحة سوفياتية، والصينيون تصدوا لجيوش الحلفاء بقيادة الجنرال ماك آرثر واوقفوها حتى انه فكر في ضرب الصين بالقنابل الذرية".
ورأيت ان الامور تتطور في غير صالح العلاقات المصرية - السوفياتية خصوصاً ان ليس لدينا مصدر آخر للحصول على السلاح، فكتبت مذكرة الى رئاسة الجمهورية في مصر اطالب فيها بوقف هذه الحملات، بينما كانت القيادة السوفياتية تحاول - من جانبها - احتواء الموقف في موسكو لأنها تعي مصالحها الحيوية في المنطقة، غير ان الحركة السوفياتية ظلت محكومة بمعادلة مؤداها السعي في كل المجالات سياسيا وعسكريا بما لا يؤدي الى مواجهة اميركية - سوفياتية.
منذ حرب 1967 وحتى وفاة عبدالناصر دارت العلاقات بين مصر والسوفيات في أطر آلية طرفها الاول مطالبات مصرية بالسلاح، وطرفها الثاني ردود سوفياتية ايجابية او سلبية على هذه المطالبات، ما هي الفكرة التي كانت تحكم طبيعة الاستجابة السوفياتية لمصر في تلك المرحلة؟
- كان السوفيات يكررون - وبالذات غريتشكو - ان هناك حاجة الى وقت بين هزيمة عسكرية، ومواجهة عسكرية اخرى يتحتم الانتصار فيها.
وكانوا متخوفين من اية هزيمة اخرى، فأي هزيمة ثانية هي - بالنسبة اليهم - كارثة لا يمكن تداركها.
وبالتالي اعطى السوفيات بعد 1967 للحركة السياسية والديبلوماسية اولوية اولى، ولذلك في كل جلسات المحادثات الرئاسية مع السوفيات، كانت الترويكا الروسية بريجنيف، بودغورني، كوسيغين تستمع الى طلبات عبدالناصر على الساحة العسكرية، ثم تطالب بأن يبدأ الكلام - اولا - على الساحة السياسية. وكان القادة السوفيات يرون انه وفقاً لتقدير الموقف على الساحة الديبلوماسية، ستكون استجابتهم للطلبات العسكرية.
وربما كان اندريه غروميكو وزير الخارجية السوفياتي يومها هو اكثر الميالين الى الحل السياسي، بينما كان غريتشكو ميالاً الى الحل العسكري باعتباره يمثل ثأراً للعسكرية السوفياتية الجريحة.
على اي حال تواصلت عمليات تزويد العرب بالاسلحة على شكل دعم قدراتهم الدفاعية، ثم تطوير هذه القدرات لتصبح هجومية، حتى ان الفريق اول محمد فوزي وزير الحربية المصري السابق قال لي: "ان مصر وسورية اصبحتا متفوقتين من الناحية العسكرية عام 1971".
وفي هذا السياق كان الصمود المصري المبكر في معارك رأس العش، ثم في اغراق المدمرة ايلات يقابل بتقدير كبير في موسكو، بما اشعر اسرائيل بأن هدفها بعد الحرب مباشرة ينبغي ان يكون توجيه رسالة سيكولوجية الى الاتحاد السوفياتي هدفها افقاد الثقة بمصر كقوة عسكرية، ومن ثم كانت عملية سرقة الرادار المصري من منطقة البحر الاحمر، ثم تسلل طائرة اسرائيلية الى نجع حمادي في صعيد مصر وضرب قناطرها هي عمليات مدروسة تستهدف نفسية السوفيات اكثر مما تستهدف نفسية المصريين.
عبدالناصر هدّد بالاستقالة
أدى اختلاف زاوية الرؤية الى ما يشبه الصدام بين عبدالناصر والسوفيات في جلسات المحادثات، ومنها زيارته الاخيرة، هل لك ان تحكي بعض فصول من هذا؟
- كانت زيارات عبدالناصر للاتحاد السوفياتي - عموماً - والتي بدأت من ايار مايو 1958 وانتهت بزيارته في تموز يوليو 1970، تتحول الى ساحات مناقشة للمطالب المصرية من كل الزوايا، وكثيراً ما شهد مقر اقامة الرئيس المصري - الذي كان الكرملين في اول زيارة، ثم بيوت الضيافة على تلال لينين المطلة على جامعة موسكو في الزيارات الاخرى - خلية عمل تجهز الاوراق المصرية التي تطرح في اول جلسة بعد ذلك في قاعة الاجتماعات الكبيرة بالطابق الثاني في الكرملين.
اما عن الاصطدام فربما كان منها ما افصح عنه الرئيس عبدالناصر في زيارته الاخيرة حين غضب من تباطؤ السوفيات في الموافقة على امداده بما سمي وقتها سلاح الردع حين قال: "اذا سارت الامور على هذا النحو... ساستقيل... فليس عبدالناصر الذي يقبل التفاوض مع اسرائيل". وبعدها مدّت موسكو مصر بأربع طائرات ميغ 25 تعمل عليها اطقم سوفياتية، وكذلك محطات التشويش الالكترونية على الرادارات الاسرائيلية.
وفي هذه الزيارة ايضاً ابلغ عبدالناصر موسكو بانه سيوافق على مبادرة روجرز وزير الخارجية الاميركي آنذاك ولم تكن هذه وسيلة للضغط على السوفيات تعبيراً عن الصدام، كما يحاول البعض ان يصورها، ولكنها كانت عملاً تكتيكياً ذكياً يمكن مصر من تحريك حائط دفاعاتها الجوية الى شاطئ قناة السويس واستكمال تدريب الاطقم المصرية لتحل محل الاطقم السوفياتية العاملة عليها.
اما اخطر زيارات عبدالناصر الى موسكو فكانت الزيارة السرية التي قام بها في كانون الثاني يناير من عام 1970، وفيها قبل المسؤولون السوفيات ان يرسلوا خبراءهم الى مصر مع اسلحة الدفاع الجوي التي منحوها لمصر. ولقد تابعت بنفسي بعد هذه الزيارة حجم الجهد الديبلوماسي الذي اضطرت موسكو اليه مع اميركا والغرب لشرح موضوع ذهاب الخبراء الى مصر.
هل حدث تأخير في الجداول الزمنية لاستلام مصر للسلاح السوفياتي؟
- كانت متابعاتي لهذا الامر بناء على تكليفات شخصية من الرئيس عبدالناصر، ولم اشعر ان هناك تأخيراً في شيء.
هل شعرت، في وقت من الاوقات، ان عبدالناصر كان مستعجلاً اكثر من اللازم؟
- في مراحل كثيرة كان مستعجلاً، ويريد ان يسرع بالعملية العسكرية، في حين كانت القيادة السوفياتية مترددة، وخائفة من الاندفاع في هذا الاتجاه، بما يحجب امكان التسوية السياسية.
هل تمايزت النظرة الى العلاقات مع مصر داخل عناصر القيادة السوفياتية نفسها؟
- القيادة السوفياتية كلها كانت تنظر الى العلاقة مع مصر باعتبارها واحدة من الاسس الاستراتيجية للسياسة السوفياتية، ولكن الرؤى كانت تتمايز بحسب موقع كل فرد داخل القيادة السوفياتية، فكوسيغين، مثلاً، رجل تكنوقراطي مؤمن للغاية بأهمية العلاقات الاميركية - السوفياتية، اما بريجنيف فهو الذي كنت الجأ اليه في اي طلب عسكري لتلافي تأثيرات السياسيين مثل غروميكو، وحتى حين كنت اقصد الماريشال غريتشكو بطلب جديد كان ينصحني بالحصول على موافقة بريجنيف مباشرة!
كيف كان تصرفك ازاء الاحتكاكات التي تولدت داخل الجيش المصري مع الخبراء السوفيات؟
- كان لدى السوفيات، في البداية، تقدير متواضع للقدرات العسكرية المصرية، وولد هذا قدراً كبيراً من الاحتكاك مع الضباط والقادة المصريين، وكان السوفيات متأثرين الى حد كبير بحملة المساجلات الضخمة التي تعرض لها المجتمع الروسي بعد الهزيمة العربية وكذلك حملة المنظمات اليهودية على العسكرية المصرية.
وقد تدخلت لدى الجانبين المصري والسوفياتي لوقف هذا الاحتكاك وكان لدى غريتشكو حرص كبير عليه، الى ان تم احتتواء الموقف وبدأ السوفيات يدركون، مع الوقت، حقيقة القدرة العسكرية للمقاتل المصري.
الاسبوع المقبل:
الحلقة الثانية
مراد غالب
- مواليد الزقازيق عام 1921.
- 1945 بكالوريوس طب وجراحة.
- 1947 ديبلوم جراحة عامة ثم ماجستير في الجراحة.
- 1950 استاذ بكلية الطب / قصر العيني.
- 1953 انتدب من الجامعة للبعثة الديبلوماسية في موسكو وشغل وظيفة سكرتير في السفارة المصرية في الاتحاد السوفياتي والتحق بالسلك الديبلوماسي وترك مهنة الطب.
- 1957 مدير مكتب رئيس الجمهورية للشؤون السياسية.
- اول كانون الاول ديسمبر 1959: نائب وكيل وزارة الخارجية.
- 21 كانون الاول ديسمبر 1959: رقي الى درجة سفير وعين اميناً عاماً للشؤون السياسية بوزارة الخارجية.
- 25 كانون الاول ديسمبر 1959: وكيلاً لوزارة الخارجية.
- 30 اب اغسطس 1960: سفير مصر في الكونغو.
- 14 تشرين الثاني نوفمبر 1960: عضو لجنة التوفيق في الكونغو للاشراف على اعمال الامم المتحدة هناك.
- 9 آذار مارس 1961: سفير مصر في الاتحاد السوفياتي.
- 27 كانون الثاني يناير 1967: ممثل مصر في التوقيع على المعاهدة الدولية لتنظيم استخدام الفضاء الخارجي.
- 15 ايار مايو 1968: عضو اللجنة الموقتة للاشراف على انتخابات الاتحاد الاشتراكي.
- 4 تموز يوليو 1968: ممثل مصر في التوقيع على الاتفاقية الدولية الخاصة بنجدة رجال الفضاء عن عودتهم الى الارض.
- 14 تموز يوليو 1969: سفير فوق العادة - غير مقيم - لدى جمهورية منغوليا الى جانب عمله في موسكو.
- 31 ايار مايو 1971: عضو لجنة الاشراف على اعادة بناء الاتحاد الاشتراكي.
- 19 ايلول سبتمبر 1971: وزير الدولة للشؤون الخارجية في وزارة محمود فوزي.
- 17 كانون الثاني يناير 1972: وزير خارجية في وزارة الدكتور عزيز صدقي.
- 8 ايلول سبتمبر 1972: ترك وزارة الخارجية.
- تشرين الاول اكتوبر 1972: وزير الاعلام.
- آذار مارس 1973: مبعوث السادات لبحث الازمة بين الكويت والعراق بعد ما ترك وزارة الاعلام.
- حزيران يونيو 1973: وزير مقيم في ليبيا لمتابعة اتحاد الجمهوريات العربية.
- نيسان ابريل 1974: سفير مصر في يوغوسلافيا.
اول كانون الاول ديسمبر 1977: استقال من منصبه كسفير في بلغراد احتجاجاً على زيارة السادات الى القدس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.