وإن سألُوك عن الاشتياق… فقل: هي غصة تأتي لتمزّق القلب وترحل. بهذه الكلمات يُختصر وجعٌ لا يُرى، ولا يُلمس، لكنه يسكن في الأعماق، يَخنق الصدر، ويُثقل الأنفاس. الاشتياق ليس مجرد ذكرى عابرة أو لحظة حنين، بل هو حالة من الوجع الصامت، شعور مبهم لا يفهمه إلا من ذاق مرارته. هو ذاك الغياب الذي لا يُعوّض، والفراغ الذي لا يُملأ، والحضور الطاغي لمن رحل. الاشتياق، ذلك الشعور الذي لا يُفسّر ولا يُشفى الاشتياق ليس شعورًا نختاره، بل حالة تُفرض علينا دون سابق إنذار. يكفي أن تمر أمامنا رائحة مألوفة، أو نسمع صوتًا يشبه من رحل، أو نرى ملامح قريبة من ملامحه، حتى تنهار كل الجدران التي حاولنا بناؤها لنحتمي بها من الذكرى. هو أشبه برسالة يبعثها القلب إلى من لا يقرأ، ونداء صامت لا يسمعه أحد. هناك من يعتقد أن الاشتياق ضعف، لكن الحقيقة أنه منتهى القوة أن تشتاق ولا تستطيع البوح، أن تشتاق ولا يُمكنك اللقاء، أن تشتاق وتبتسم رغم الخيبة. الاشتياق لا يرحم، يتسلل في ساعات الليل، يطرق أبواب الذاكرة، يعيد ترتيب الوجع، ويجبرك على أن تعيش الحكاية من جديد، بكل تفاصيلها، بكل ما فيها من دفءٍ وحزن. وفي ظل هذا الشعور، تختلف طقوس الناس في التعامل معه. هناك من يهرب، من يغلق نوافذ الذاكرة، يحاول أن ينسى… وهناك من يكتب، من يحوّل ألمه إلى حروف، علّه يجد في الكلمات عزاءً. لكن الحقيقة تظل واحدة لا شيء يُشبه ألم الاشتياق، ولا شيء يُضاهيه في الصمت، في الحنين، في الوجع. هو ذلك الفراغ الذي يتركه الغائبون خلفهم، لا يُملأ بكلمة، ولا تُرمّمُه الأيام. قد نتظاهر بالقوة، قد نُقنع الجميع أننا تجاوزنا، لكن بيننا وبين أنفسنا، هناك لحظات ننهار فيها بصمت، نتنفس الذكرى كأنها هواء، ونبكي دون دموع. الاشتياق لا يموت، بل يهدأ، يختبئ في الزوايا، ينتظر لمحة، صوتًا، شيئًا صغيرًا ليعود بكل عنفه. فلا تسألوا المُشتاقين عن حالهم، فهم يعيشون مع نصف قلب، ونصف ذاكرة، ونصف حياة… والباقي رحل مع من اشتاقوا إليهم. وفي النهاية… يبقى الاشتياق هو الضريبة التي ندفعها ثمنًا للحب، وللأرواح التي مرّت بنا وتركَت أثرًا لا يُمحى. وكما قال قائل: فلمّا أراني الوجد أنّك حاضري شهدتك موجودا بكلّ مكان فخاطبت موجودا بغير تكلم و لاحظت معلوما بغير عيان . بقلم/ حصة الزهراني ماجستير في العلاقات العامة والإتصال المؤسسي- وزارة التعليم