لا شك بأن ما يكتبه المرء هو تعبير عما يكنه صدره، قد يختلف الأسلوب من حين إلى آخر، مع الأخذ في الاعتبار أن لنفسية الكاتب دور في حدة الكلمة أو وضوحها أو غموضها، ناهيك عن وضع الكاتب الصحي أو الاجتماعي أو المادي. محمد بن علي بن كدم، هذا الصحفي الطريبي الريفي اليتيم المخضرم المثقف الأديب المشاكس العنيد الوحيد النحيل الفقير المريض الناقم المتشائم المتفائل العصامي، لا أعتقد بأن كل هذه الألقاب أو الأوصاف تنطبق على أحد غيره، ولا أعتقد بأن أحد سيتحمل كل تبعات هذه الألقاب إلا هو نفسه، كل لقب له حكاية، ومحطة توقف أو انطلاقة معيّنة. هذا الرجل المثقل بالهموم، الذي صافح يوماً سارية المسجد لأنها حملت همومه التي لم يحملها ذو الجسم المكتنز باللحم والدم، هو من قال: شعرت بسياط الواقع تدمي جسمي ومخالب الحقيقة المؤلمة تخنقني وتغرس أظافرها الحادة في عنقي.. إنني مابين قدري وذنبي، اتقلب صارخاً بأسى ... يالله. اسمعوا مايقول بعد أن رفع رأسه للسماء: ربي هل هذا السقوط هو الأخير فلا أبالي.. لقد أدمى جسمي كثرة السقوط.. ارحني فالأمر أمرك،، سقطت كثيرًا.. وبكيت أكثر.. ونهضت بعدد سنين عمري..إنّي متعب ومثقل بالهموم ياسيدي.. لم أعد اقوي على النهوض. كل ما سبق هو غيض من فيض، فهل يكفي لنعرفه حق المعرفة، خاصة في السنوات الأخيرة، إن ما يقوله هو ضرب من الخيال، من الجنون، من الفلسفة خروج عن المألوف بكل ما تعني الكلمة في المساء تغريدة العابد الزاهد وفي الصباح يترنم بأقوال السديري والعمير وقينان ومن في فلكهم وفي الظهر تغريد المنتفض الثائر على من حوله وفي العصر يعتصر قلبه من الألم والأطباء، ويعصر قلوبنا معه حتى يتخيل لنا بأنه لا محالة مودع مغادر بلا رجعه، وفجأة نجده "يجر المنكوس" في مدينة نجران، وقد ترك محبوبته الأولى طريب مطباً سريعاً عابراً، وكأنه يقول: "اترك طريباً كحبيباً ينسى، لكل قوم مصبحٍ وممسى"، حتى الوادي المسكين الذي اسماه تعسفاً بوادي طي، لم يكلف نفسه بالوقوف على ضفته لدقائق معدودة، بل شوهد وهو متلثماً بغترة ناصعة البياض حتى لا يراه طي بن أدد، أو شهوان بن ضيغم. تقرأ كتاب طريب ، أو كتاب آل قريش والسيف والرمح والمشعاب، ثم تنوي لقائه وأنت تحمل "سلة حضرمية" ثم فجأة تتذكر بأنه القائل: "الله ما أكرم التعساء والبؤساء والفقراء..إنهم يمنحون الحياة أجمل ما يملكون: البكاء.. الدموع.. الحزن"، فيذهب كل شي في الخاطر وكأنك تردد قول سعد بن جدلان: يجيني منه هيبة معزه سحا تقدير أقابله عندي علم وأروح ما قلته ومع كثرت الألقاب والأوصاف السابقة التي تجعل المرء يخرج من طوره ويفقد العقل والتصرف السليم، إلا أننا نجد فيه نقاء السريرة وطيبة القلب وكرم الكرماء ونباهة العقلاء وتحمل الكبار. اقرأوا تبريحاته أو بنات أفكاره أو فذلكاته أو جنونه أو فلسفته التالية لعلكم تشاركونني كل ماقلت: "كن حذر فالعالم ينحدر" "يا لقسوة القيود بدون قيود" "الموت الغبن أن تموت كمدا والقتلة حولك يضحكون ببلاهة" "عظيم هو إعتزالي الإختياري في طريب...شهر يعادل دهر" "الصداقات مثل الأشجار تحتاج مع الزمن لتهذيب وتقليم... وأحيانا القطع" "من لا يعزني في حياتي لا يعزيني في مماتي" "المصافحة تواصل جسدي...بوجهين" "من قيمتك احترمك البعيد لعلمه، وتجاهلك القريب لجهله" "أجساد تلفظ أنفاسها وهي تمشي ضاحكة" "ابتسامة الإنسان مثل غلاف الكتاب" "إذا كنت من البؤساء وتوفي أحدكم.. لا تبكيه.. افرح له بأنه ارتاح من البؤس.. ابك على نفسك والأحياء الآخرين منكم" "الدمعة عملية غسيل للعيون" "الحياة ليست ساكنة..فيها دوّامات عاتية تعصف بالمحترمين في كل اتجاه واحياناً تدفنهم أحياء" "كيف ترى الحياة حين تصبح أقدامك ثلاثة ؟؟" الكاتب القدير : محمد بن علي ال كدم القحطاني