من هذه الأرض أكتب لكم, الأرض التي ترسم الحد ما بين الوطن واللا وطن, الأرض البعيدة جغرافياً, اللصيقة وجدانياً. الأرض التي تنجب الزرع والضرع، وتتدفق أحشاؤها بالرخاء على مدى الزمن, الأرض التي تحب ولا تشتكي. تعشق ولا تعتب, لأنها تحيا وتموت من أجل رمز اسمه: الوطن. *** الساعة الآن الرابعة صباحا، وأنا أذرع الطريق ما بين آخر نبضة في جنوب منطقة جازان إلى المدينة، ذهبت إلى أقصى جنوب الحب كي أشم رائحة بيتي وأهلي وتأريخي وأرضي ووطني، تعمدت أن أزورها ليلا كي أتأكد ما إذا كانت مضيئة كعادتها في كل وقت أم لا. فرحة مبتهجة كما أعرفها أم تغيرت.راقصة تهز الأرض أم أن قدميها قد أصابهما الضجر. **** هي.. هي، كما عهدتها. الأرض آمنة مطمئنة، والناس يغسلون التوقعات الضبابية بالأحلام الوردية. هم هكذا، مسرفون في التفاؤل لأنهم موغلون في الإنسانية. يستطيعون التعايش مع كل المواسم، والتكيف مع كل الظروف، ليس لأنهم متلونون وحربائيون، ولكن لأنهم ثابتون على عقيدة واحدة، ومبدأ واحد هو: الحب.. حب الحياة. حب الوطن. حب كل قيمة وخصلة نبيلة. *** وقفت أمام الباب الذي منذ أن بدأت ذاكرتي تعي وهو مفتوح باتساع الدنيا، وجدته ما زال مفتوحا آمنا مطمئنا. وقبل أن أدلفه، أطاحت بي رائحة جدي وجدتي، أبي وأمي وأعمامي، الذين رحلوا كلهم ولم يبق منهم سوى الأم التي أنتشي بعطر قلبها. الأم التي تعتصر شوقاً إلى قصرها المضياف، ومعبد روحها، وهوى فؤادها، لكني أجبرتها على الرحيل مؤقتاً لأن قذيفة سقطت بجوار بابها هي لا تخاف، لكني أنا الذي أتهاوى خوفا عليها. طفت على خوفي واستجابت لرجائي، ولكي أنقل لها رائحة أقدامها التي أعرفها وأميزها جدا، ذهبت إلى هناك، فوجدت كل شيء على ما هو عليه. طبعت قبلاتي على الرائحة. على التراب. على الذكريات. على الباب. ثم غادرت.. الطريق آمنة جدا. لا قلق. أقصى جنوب الحب ليس في حرب، بل في حالة عشق وجودي مع الوطن. تعالوا وشاهدوا هذه الحالة الاستثنائية. [email protected]