لا يمكن لأحد منا أن ينكر، بأن هناك إنسانا غاليا على قلبه، لا يتصور الحياة من بعده فيما لو حصل له مكروه (لا قدر الله)، إنه لا يقل أهمية عن الماء أو الهواء الذي يتنفسه، هذا الإنسان الذي نفذ حبه من حنايا الصدر وطبعت صورته في سويداء القلب، يمكن أن يكون ابنك أو ابنتك (المدللة) ويمكن أن يكون والدك أو والدتك، أخاك أو أختك، ويمكن أن يكون صديق عمرك الذي دائما ما تجده إلى جانبك في السراء والضراء، لكن السؤال الملح هنا : هل يمكن أن يكون هذا الإنسان الزوج أو الزوجة ؟!. يقال بأن ذلك يحدث، لكن ليس في عالم الإنسان ، فالهدهد إذا غابت أنثاه لا يأكل ولا يشرب ولا يقطع الصياح حتى تعود إليه (المدام) فإن ماتت لا ينظر إلى انثى بعدها أبداً ، كذلك ذكر وانثى الأوز إذا أصيب أحدهما أو توفي فإن الآخر لا يبرح مكانه أياما وليالي حتى يشفى أو يموت معه، ومع أننا دائما ما نصفه بالمكر والدهاء إلا أن الثعلب يحمل في داخله قلبا محبا وطيبا تجاه (شريكة حياته) فهو لا يتزوج سوى زوجة واحدة فإن ماتت لا يتزوج بعدها أبدا ويهيم في البراري حتى يموت (يا حياة الشقا والعذاريب يابو الحصين)!!. ويقال بأن ذلك قد يحدث، لكن ليس بديارنا، فهذا رجل هندي 77 سنة أفنى حياته ليبني بيده وماله ضريحا على قبر زوجته المتوفاة يشبه (تاج محل) حتى يكون مزارا للناس فلا ينسونها، وتلك امرأة إيطالية 40 عاما بمجرد موت زوجها الحبيب بأزمة قلبية ألقت بنفسها من الدور الثامن وبيدها طفلتها فتوفيتا في الحال، وذاك رجل أمريكي 29 عاما ماتت زوجته ولأنه لا يحتمل فراقها للحظة ولا طعم للحياة بعدها أوقف مراسم دفنها وأستأذن السلطات ليأخذها معه للمنزل ثم حنطها ووضعها في صندوق زجاجي يستخدمه مائدة للطعام !!. أما لدينا، فهناك من يبصم على العشرة، بأن حزن الزوج على زوجته أو الزوجة على زوجها لا يتعدى عشر الأمثلة التي ذكرناها، وهذه النسبة الضئيلة لا تكون كلها محبة في المرحوم، بل أغلبها شفقة من الزوج على حال أبنائه الصغار الذين فقدوا (الداية) التي كانت تشيل وتحط فيهم وتتحمل غثاهم، أو حسرة من الزوجة على ضياع الأسرة بعد فقدها (الصراف الالي) الذي كان يعمل ويدر المال على مدار 24 ساعة !؟. إنه وبالرغم من مشاعر الحزن التي تنتابني عندما استمع لخبر قيام زوج بقتل زوجته ومن ثم ينتحر بنفس الموقع، إلا أن ثمة إحساسا دفينا تتفتح فيه بذور التفاؤل في أن يكون السبب وراء هذه الفاجعة حب صادق لا يقوى الفراق، ولكن هذه البذور سرعان ما تتعفن وتموت مكانها بسبب التأويلات المريضة، أيضا بقدر إعجابي بذلك الرجل المسن الذي يخيل لك أيام العزاء بأنه سيلحق بزوجته من فرط حزنه عليها، بقدر دهشتي منه وأنا أراه بعد أسابيع قليلة في أبهى حلته مخفف وصابغ اللحية وفي أصبعه البنصر يضع خاتم الخطوبة !!.