كشفت صحيفة فورين بوليسي الأمريكية، في تقرير لها أمس (الأربعاء)، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فشل في تشكيل جيل من الشباب التركي يدعم أيديولوجيته السياسية منذ اعتلائه السلطة عام 2012. وأشارت الصحيفة إلى أن خطاب الرئيس الموجّه للطلاب على الإنترنت في 26 يونيو الماضي كان الدليل الدامغ لفشل تلك الجهود، إذ بدا الاستياء على عشرات الآلاف من الطلاب الأتراك الذين انضموا إلى البث المباشر على قناة «YouTube»، وشنوا انتقادات عنيفة ضد أردوغان في تعليقاتهم، مؤكدين أنه لن يحصل على أصواتهم. وأوضحت الصحيفة أن الطلاب شعروا بالإحباط لأن الحكومة شرعت في تغيير مواعيد امتحان القبول بالجامعات هذا العام مرات عدة خلال الأشهر القليلة الماضية، نتيجة لسوء التخطيط المرتبط بوباء COVID-19. وأشار التقرير إلى أن ذلك الإحباط تحول إلى غضب عارم ضد أردوغان، إذ تلقت التعليقات على الفيديو نحو نصف مليون عدم إعجاب. كما أن هاشتاق «OyMoyYok#» «لن أصوت لك»، تصدر ال«ترند» على «تويتر» التركي، ما دعا مكتب أردوغان إلى القيام بإجراءات مضادة عدة، ليس فقط بتعطيل تعليقات الفيديو، بل إن أردوغان نفسه أعلن بعد ذلك بوقت قصير خططا ولوائح جديدة للتحكم في منصات وسائل التواصل الاجتماعي أو حتى إغلاقها بالكامل. وذكرت الصحيفة أن أردوغان اعتقد أن شروعه في إنشاء جيل كامل من الشباب التركي كنصف سكان البلاد تحت سن 23 عاماً، بداية من توليه منصب رئيس الوزراء، ثم كرئيس للبلاد، قد يكون له قاعدة سياسية متينة، إذ شرع في تأسيس مشاريع تربية «الأجيال المتدينة»، التي غالبا ما يتم فيها تمجيد جذور البلاد الإسلامية وماضيها العثماني الإمبراطوري، وقام بضخ مليارات الدولارات في التعليم الديني، مما زاد بشكل كبير من عدد مدارس ثانوية «الإمام الخطيب» التي تأسست في الأصل من قبل الدولة كمؤسسات مهنية لتدريب الشباب على أن يصبحوا أئمة وخطباء، وقام بحظر المناهج الدراسية المطورة. ولفت التقرير إلى أن تلك المدارس الدينية كانت ضعيفة الأداء ولم تكن لها جاذبية بين الشباب التركي، إذ أظهر استطلاع حديث نظمته وزارة التربية الوطنية عام 2018 أن غالبية الشباب التركي في مدارس «الإمام الخطيب» يفضلون المناهج الدراسية المتطورة التي لا تعتمد على دراسة التدين بشكل مكثف. بل إن ذلك كان تأثيره عكسيا، وبات العديد من الطلاب الأتراك يرفضون دراسة المواد الدينية تماماً. وقامت وسائل الإعلام الموالية لأردوغان بتصوير ذلك على أنه مجرد مؤامرة غربية أخرى، ولكن بالنسبة للشباب، فإن ذلك كان بمثابة خيبة الأمل من السياسة التي تتبعها الحكومة، وأن سبب رفض الشباب لعلامة أردوغان التجارية المحافظة له علاقة أيضا بسوء نوعية المناهج التعليمية المتاحة. وقد صرح العديد من المعارضين بأنه تحت حكم أردوغان تم تجريد الإسلام من جوهره الأخلاقي واستخدامه للتستر على الفساد وإضفاء الشرعية على حكمه المكون من شخص واحد، مما دفع الشباب التركي للبحث عن مصادر أخرى للسلطة الأكثر أخلاقية، حتى إن الآباء المحافظين قلقون من أن الجرعة الثقيلة من التعليم الديني في المدارس الثانوية تمنع أطفالهم من تعلم ما يكفي من المواد الدراسية الأخرى كالرياضيات والعلوم والتكنولوجيا لتمكينهم من التنافس بقوة في الامتحانات الجامعية. وبين التقرير أن القلق الشعبوي المتزايد حول تدني جودة التعليم في البلاد له علاقة بتدخل أردوغان الواضح في نظام التعليم الجامعي، فهو يتمتع بالسلطة المطلقة لتعيين رؤساء جميع الجامعات العامة والخاصة، والأدهى من ذلك أنه قام بتنصيب من يوالونه سياسيا رغم مؤهلاتهم الأكاديمية الضعيفة. ومما يزيد المخاوف بين الشباب الأتراك أن شهاداتهم لن توفر لهم وظائف لائقة في كل من القطاعين العام والخاص، إذ بلغت البطالة بين الشباب 27%، ولذلك نجد أن الغالبية العظمى من الجيل الجديد الذي نشأ في عهد أردوغان يسعى إلى الانتقال إلى الخارج بحثا عن العمل أو الفرص المناسبة للحصول على تعليم أكثر جودة. وذكرت الصحيفة أن الشباب التركي الذي نشأ تحت حكم أردوغان أصيب بخيبة أمل شديدة، وقد شاهدوه يتحول من زعيم ديناميكي يقوم ببناء تركيا أكثر ديموقراطية وازدهارا وتوجها نحو الغرب إلى أوتوقراطي منهك يكافح من أجل البقاء في الحكم. وبالنسبة لهم، فإن ما يفعله الرئيس التركي الآن هو دليل فشل ذريع لسياسته في قيادة البلاد والمستقبل الذي يعتبر هو حياة الشباب التركي، الذي قال كلمته بكل صراحة له الآن: «لن أصوت لك»، مما يدل على أن أردوغان لم يفشل فقط في تربية جيل من المؤيدين له، بل ربما أوجد الجيل الذي سيطيح به في النهاية. ترجمة: حسن باسويد baswaid@