عماد جمبي هل سمعت يوما عن أمة صنعت حضارتها الخاصة دون أن يكون التعليم لها أساس؟! بالتأكيد لا، فالحضارة لا تصنع هكذا مصادفة أو كما اتفق وإنما هي نتيجة حتمية لتخطيط مُسبق واجتهاد وإجادة على جميع المستويات، وها قد باتت أخيرًا لدينا خطة النجاح والسير قُدما إلى مستقبل مشرق، أعني بالخطة هنا رؤية المملكة 2030، والتي لم تترك كبيرة ولا صغيرة في هذا الوطن إلا وبحثت في تطويره وأرشدت بواقعية شديدة إلى كيفية تغييره للأفضل، كل هذا عبر مستوى من التدرج يراعي الانتقال السلس للمجتمع من حال إلى حال. إن دورنا كأفراد في هذه المرحلة يمكن أن يتمثل في عديد من الأشياء، أهمها مساندة الإجراءات والعمل على إنجاح الخطوات المتخذة من قبل الوزارات المختلفة لتطبيق مراحل رؤية 2030، وفي المقابل فإن تقديم النقد البناء لما يكتنف المنظومات المختلفة من نقاط ضعف، هو أمر صحي جدًا، يساهم حتماً بشكل أو بآخر في لفت الانتباه إلى مواطن الضعف تلك، ومن ثم تقويمها لاحقًا. بنظرة كاشفة على المنظومة التعليمة ، فإن أهم ما يلفت انتباهي كمتخصص، هي البيئة الصفية، الصف الدراسي هنا بمثابة المعمل الصغير الذي يضم أبنائنا ويعلمهم ويرشدهم، وإن لم نهتم بما يتلقاه أبنائنا في هذا المعمل، فإن شخصياتهم المستقبلية العلمية والاجتماعية ربما تجنح في اتجاهات غير متوقعة، من الخمول الذهني أو ضعف المهارات أو الإعراض عن التعلم. مشاكل البيئة الصفية كثيرة، لعل أكثرها وضوحاً هي تلك الكثافة الشديدة في عدد الطلاب ضمن الفصل الواحد والتي قد تصل إلى 40 طالبًا، وهذه نقطة لها أثر سلبي شديد السوء على مستويات الطلاب وعلى الناتج النهائي المتوقع منهم، هذا فضلًا عن تأُثيراتها شديدة العمق في نفسيتهم على المستوى البعيد، من حيث عدم الشعور بالاهتمام أو نحوه، ما يدفع في الأخير إلى مستويات أخرى من ردات الفعل غير السوية. لا يتوقف الأثر السلبي للزحام داخل الفصول على الطلاب فقط، بل يمتد ليشمل المعلمين أنفسهم، والذين يبذلون جهدًا مضاعفًا من أجل ضبط الفصل وتنظيمه، وبالتالي فإن طاقاتهم الإبداعية في شرح الدروس والموضوعات المختلفة تقل وتتوارى، ما يترتب عليه ضعف أكيد في استيعاب الطلاب للمعلومات المُقدمة، الأمر الذي يضطرهم لاحقًا للاتجاه إلى الدروس الخصوصية، والتي حتماً تزيد من أعباء الأسر المادية والنفسية. الزحام داخل الفصول هو أمر تنظيمي بحت، لذلك فإن وزارة التعليم مطالبة أن تحسم الجدل بخصوص هذا الأمر، وأن تضع القوانين الصارمة التي تعيق وجود مثل هذا الزحام، وإن كانت موجودة بالفعل لكنها غير مفعلة، ومن جهة أخرى؛ توفر البدائل والأبنية الجديدة التي تُغطي تزايد الأعداد وتعفي أبنائنا من التواجد في مثل هذه البيئات غير المحفزة على النجاح. كذلك تلوح في الأفق مشكلة تنظيمية أخرى مرتبطة بالتكدس الطلابي، نعني هنا الاستنزاف الحاد للمرافق والأبنية عن طريق وجود فترات دراسية مختلفة في المدرسة الواحدة خلال اليوم، إذ أن هناك مراحل دراسية تدرس صباحاً وأخرى تدرس مساءً وربما يكون هناك فترة ثالثة، فضلًا عن كون هذا يستنزف البنية التحتية للمدارس، فهو يؤدي كذلك إلى ضغط الحصص وتقليل الأوقات، الأمر الذي ينعكس سلبًا على الطلاب، ويجعلهم يفقدون تركيزهم سريعًا لكثرة ما يرد إلى أسماعهم من معلومات، وبناءً عليه يكون الناتج التعليمي في الأخير ضعيف وربما ضعيف جداً. إن المسؤولية كاملة تقع على عاتق الوزارة في إيجاد سبل صحيحة تعالج بها هذه المعضلات سابقة الذكر، إنها معضلات تنظيمية لكنها مؤثرة بشكل كبير على مسار العملية التعليمية برمتها، إن الاهتمام بإنشاء بيئة صفية تجريبية تفاعلية محفزة على النجاح هو الطريق الأمثل لتطوير التعليم والخطو به إلى الأمام، ففي إحدى الدراسات الأكاديمية التي أجريت على قطاع من الطلاب في منطقة الأفلاج التعليمية عام 2009 تبين أن الطلبة أظهروا حماساً وإقبالًا على التعلم في بيئة تجريبية تفاعلية أكثر من نظرائهم الذين يدرسون في بيئة اعتيادية، الأمر الذي يوجه نظرنا إلى الأهمية القصوى للأنشطة التجريبية والبيئة الصفية الملائمة بوجه عام، لذلك أعتقد أننا مهما غيّرنا في المناهج أو عدلنا فيها فلن يستفيد الطالب من كل هذا دون مجتمع طلابي جيد، مجتمع يحببه في العلم ويجعله حريصا على الارتقاء في مراتبه المختلفة.