البيت الأبيض: اجتماع ترمب وبوتين يوم الجمعة المقبل سيكون في أنكوريج    ولي العهد يتلقى اتصالًا هاتفيًا من رئيسة وزراء إيطاليا    اختتام برنامج"حكايا الشباب"في الطائف بمشاركة نخبة من الرياضيين المختصين    إحباط تهريب 36,600 قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي في جازان    نائب وزير الخارجية يستقبل سفير إسبانيا    رابطة الدوري السعودي تعلن جدول أول 6 جولات من البطولة    برعاية الملك... الرياض تستضيف النسخة الخامسة من مؤتمر التعدين الدولي    «الغذاء والدواء» تعتمد تسجيل دواء «الريکسيفيو» لعلاج الورم النقوي المتعدد    "ابتسم" تُجري أربع عمليات أسنان لأطفال خلال 24 ساعة    الكشف عن مواعيد مباريات دور ال32 لكأس خادم الحرمين الشريفين    استثناء ذوي الإعاقة من رسوم دخول معارض هيئة المتاحف    "فلكية جدة": تساقط شهب البرشاويات 2025 بدءًا من اليوم    التطور الرقمي في المملكة : تحقيق النمو المستقبلي يتطلب بناء شبكات آمنة وجاهزة للذكاء الاصطناعي    أمير تبوك يواسي أسرة الغيثي في وفاة فقيدها    تجمع الرياض الصحي الأول يطلق حملة توعوية للتعريف بخدمة "العيادات عن بُعد"    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد قوة أمن المنشآت أمير الفوج التاسع    نائب أمير الرياض يرعى ورشة العمل التطويرية لجائزة الرياض للتميز    المزرعة الإنجليزية "فالكون ميوز" تُشارك ب 100 صقر في المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    نائب أمير القصيم يطلع على جهود الجمعية الأهلية بعنيزة    وكيل إمارة جازان يلتقي "محافظي" المنطقة    برنامج تعاون بين "كاوست" والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية    سوق الأسهم السعودية يغلق متراجعا ب 21 نقطة    أمير الشرقية يستقبل منسوبي هيئة الأوقاف ورئيس اللجنة الوطنية وقائد قوة أمن المنشآت    "كرنفال التمور" في بريدة يوفّر فرصًا ريادية ويعزز حضور الشباب في القطاع الزراعي    أمير منطقة جازان يعزي في وفاة الشيخ أحمد بشير معافا    مساعد الوزير للخدمات المشتركة يرعى إطلاق النسخة الأولى من جائزة التنمية الشبابية    مفردات من قلب الجنوب 10    تصريف 5 ملايين م³ من مياه سد وادي ضمد لدعم الزراعة وتعزيز الأمن المائي    سيرة من ذاكرة جازان.. الفريق ركن عمر حمزي رحمه الله    تعرف على دوكوري لاعب نيوم الجديد    تفاصيل عقد النصر مع الفرنسي كينجسلي كومان    مجلس الوزراء: تعديل بعض مواد تنظيم الهيئة السعودية للمحامين    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    مدير الشؤون الإسلامية في جازان يناقش شؤون المساجد والجوامع ويطلع على أعمال مؤسسات الصيانة    شركة "البحري" السعودية تنفي نقل شحنات أسلحة إلى إسرائيل    خيط الحكمة الذهبي: شعرة معاوية التي لا تنقطع    المياه الوطنية : 6 أيام وتنتهي المهلة التصحيحية لتسجيل التوصيلات غير النظامية    محافظ الطائف يستقبل المدير التنفيذي للجنة "تراحم" بمنطقة مكة المكرمة    امطار خفيفة الى متوسطة وغزيرة في عدة مناطق بالمملكة    وزير لبناني حليف لحزب الله: أولويتنا حصر السلاح بيد الدولة    عشرات القتلى بينهم صحافيون.. مجازر إسرائيلية جديدة في غزة    افتتاح معرض الرياض للكتاب أكتوبر المقبل    «ترحال» يجمع المواهب السعودية والعالمية    «الزرفة» السعودي يتصدر شباك التذاكر    تعزيز الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد للمملكة.. "سالك".. 13 استثماراً إستراتيجياً في قارات العالم    بعد خسارة الدرع الخيرية.. سلوت يعترف بحاجة ليفربول للتحسن    السنة التأهيلية.. فرصة قبول متاحة    مباهاة    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    الشعب السعودي.. تلاحم لا يهزم    موجز    السعودية ترحب بالإجماع الدولي على حل الدولتين.. أستراليا تعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين    حقنة خلايا مناعية تعالج «الأمراض المستعصية»    ثقب أسود هائل يدهش العلماء    مخلوق نادر يظهر مجددا    تحديات وإصلاحات GPT-5    أخطاء تحول الشاي إلى سم    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخطاب الشعبوي يأسر الإسلاميين والعلمانيين
نشر في أنباؤكم يوم 09 - 10 - 2014


السفير اللبنانية
من أسوأ التقاليد التي كرستها الحركات السياسية العربية على اختلاف مرجعياتها الفكرية هي انتهاج الخطاب الشعبوي الذي يهيمن عليه الطابع الإيديولوجي، والذي تكمن وظيفته في التسويغ والتبرير وطمس واقع الفروقات والاختلافات واللجوء إلى التوفيق والتلفيق، والذي يفتقر إلى العقلانية، ويقلل من أهمية المسألة الفكرية ويحط من شأنها، ولا ينطلق من حقيقة أن الفكر العقلاني هو الذي يصنع التغيير الجذري وبالتالي يصنع التاريخ، ذلك أنه ليس ثمة من تاريخ ممكن من دون حركة الفكر.
ويظل التنازع بين المسألة السياسية الضاغطة بحجم وجودها، وثقلها في الخطاب السياسوي الشعبوي وبين الفكر العربي المعاصر قائما، لأن السياسة في طبيعتها الأصلية، وهي تبحث عن التغيير، تخدم المصلحة، طبقية كانت أم حزبية، بصرف النظر عن المشروع السياسي المنضوية في سيرورته، وقد لا تستمد معاييرها من الحقيقة الموضوعية، في حين أن الفكر باستخدامه العقل العلمي والفلسفي، هو الذي ينتج التصورات العلمية عن حقائق التاريخ الاجتماعية وعلاقاتها.
فهيمنة المسألة السياسية على الفكر العربي، وادعاؤها احتكار الحقيقة العلمية للتاريخ الاجتماعي، واستمالتها الفكر، وتدجينه، وحتى التنكيل به، واختلال العلاقة بين الإيديولوجي والسياسي، تدفع الحوار السياسي بين القوى السياسية ذات التوجه العلماني والحركات الإسلامية على تنوعها إلى سجال إيديولوجي، تسود فيه الرؤية الحصرية. وهي تمثل صياغة جديدة للأحادية والنظرة الاقصائية التي تحل نفسها محل الكل الاجتماعي، وتطرد الآخر من عالمها، ولا تنظر إلى الاختلاف والتعدد إلا على أنه كفر.
وهذه الرؤية الأحادية والحصرية السائدة في صفوف الحركة السياسية العربية على اختلاف مشاربها الفكرية، ومناهجها وبرامجها، تجعل الفكر العربي متناقضا ولا يسوده الانسجام والوحدة في بناء النظرية، لأن موضوعاته وإشكالياته أتت في ظروف تاريخية، أو تحت وطأة الضغوط السياسية والإيديولوجية، ويظل عاجزا عن تحقيق توافق أولي مبدئي على القضايا الأساسية للأمة، لا سيما منها العلاقة بين الديموقراطية والإسلام .
إن الضمانة الجدية للتوافق وديمومته بين الديموقراطية والإسلام، هي انتهاج خطٍ عقلاني، في الإجابة عن أسئلة ومعضلات الواقع . فالعقلانية تقوم على أساس النقد، نقد الذات ونقد الموضوع الذي هو أيضا ذات وحياة. وهو ما يسميه المفكر الراحل الياس مرقص "جهاد النفس وجهاد المعرف". فالنقد هو أبرز خصائص العقل، والعقل واحد، عند الكل، وهو كوني بطبيعته، وليس بخاصية قوميات ضيقة، أو التقسيمات التي تحيل العالم إلى مناطق نفوذ وهيمنة.
العقل العملي أساس الاجتماع والحياة السياسية، وهو عقل مفتوح يجسد نمطا من التعامل الوحيد بين العقلاني واللاعقلاني، ويكون بذلك ضروريا ضرورة مطلقة بالنسبة إلينا للتعامل مع الواقع، بما أنه تجسيد للعقلانية الحقيقية باعتبارها مسعى من اجل مطابقة مفهوم الفرد الاجتماعي ومفهوم المواطن بوصفه عضوا في المجتمع المدني وعضوا في الدولة بالتلازم الضروري، ولهذا تصبح العقلانية ركيزة أساسية للديموقراطية، وبالتالي ركيزة أساسية لمجتمع القانون والحقوق. كما تصبح السياسة بكونها الشأن العام المشترك بين جميع الأفراد في مجتمع الأفراد، في مجتمع معين ودولة معينة، علم الممارسة المعقولة، وهي تهم العمل الكوني الذي وإن كان من خلال أصله العيني عمادا فرديا أو جماعيا، لا يهدف إلى الفرد والجماعة بل يهدف إلى الوصول إلى الجنس البشري.
العقلانية في الفكر والسياسة، مفهومة فهما جدليا سليما، هي تلك التي تنطلق من وحدة المجتمع الديالكتيكية التناقضية ومن وحدة الأمة العربية باعتبارها كينونة اجتماعية في التاريخ وفي العالم، ومن الشأن العام والمصلحة القومية المشتركة التي تتقاطع فيها المصالح الخاصة والفردية، وتجد فيها ميدان تحققها الواقعي. فالعام هو الذي يحدد الخاص والفردي، والكل هو الذي يحدد الأجزاء وليس العكس. وبالتالي، فإن السياسات الفئوية، طبقية كانت أم حزبية، أم عشائرية أم مذهبية التي تحل الخاص محل العام، هي سياسات لا عقلانية. وإذ تقوم هذه السياسات على المنفعة الخاصة الجزئية، الفئوية، فإنها لا تلغي المصلحة العامة الوطنية/ القومية فقط، بل تلغي ذاتها أيضا وهذا أساس لا عقلانيتها. والسياسات اللاعقلانية هذه هي بالضرورة سياسات استبدادية، وأنساق مولدة للعنف.
العقلانية في الوضع العربي الراهن، صفة السياسة الراديكالية المؤمنة حقا بالمشروع القومي الديموقراطي النهضوي، التي تضع حدا للإيديولوجيا وتقيم حدا على الشعارات والشعاراتية في الحوار بين الأطياف السياسية، من أجل إعادة تشكيل وعي جديد مطابق لبناء دولة القانون، وتحقيق وفاق تاريخي حقيقي بين الحركة الإسلامية والقوى العلمانية، على قاعدة أهداف استراتيجية محددة لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية، حيث أن بناء هذا الوعي الجديد وهذا الاتفاق التاريخي لا يكونان بالتسويات الإيديولوجية ولا برفض الإيديولوجيات ذاتها والاستسلام لتأثيراتها موضوعيا، بل ينطلقان من العقلانية والمنطق في سبيل تقديم الحلول والأجوبة لإشكالية ثنائية العلمانية والإسلام وتساؤلها وإخراجها من المحنة التي شكلها استمرار المعارضة بينهما.
إن الكثير من الحركات الإسلامية المعاصرة، ولا نبالغ إذا قلنا أكثريتها، إنما تقف من مبدأ العلمانية والتعددية، سواء في الرؤى الفكرية أم السياسية، موقف الرفض العدائي، أو الريبة الشديدة أو الشك في شرعيتها، أو في ضرورتها وجدواها. في حين أن أمام الإسلاميين والعروبيين، واللاهوتيين والعلمانيين، مسؤوليتين: أولهما معرفة الواقع بإبعاده العالمية أو الكونية، والتاريخية والعقلانية بشكل مطابق وصحيح، حيث أن معرفة هذا الواقع تقتضي منهجا عقلانيا، لفهم الصراعات والتناقضات التي تولد حركة تطوره، والقوى التي تؤثر فيه، لا سيما أن العالم اليوم يتوحد بوتائر سريعة. فلم يعد ثمة مشكلات أو قضايا أساسية محلية خالصة خارج سياق العولمة الرأسمالية الجديدة، أو الهيمنة الإمبريالية الأميركية .
والثانية، نقد العقل السياسي العربي، ليشمل ظاهرة الإسلام السياسي المعاصر، والخطاب الإيديولوجي الإسلاموي المتطرف الدوغمائي من جهة، والفكري المرن النقدي المنفتح من جهة أخرى، الذي ما زال يرفض تجسيد القطيعة المعرفية والمنهجية التي تأتي في سياق العملية التاريخية، وكنتيجة حتمية للتطور التاريخي العام في المجتمع العربي، باعتبارها وحدها ما يؤهلها لبناء مشروع ثقافي إسلامي تنويري يصير تكوينا وليس تكرارا. علما بأن هذه القطيعة متى حصلت تمثل تاريخ التحولات الجذرية في نظرة العقل الإسلامي نفسه إلى المعرفة، وطرق إدراكه للواقع العربي والاشتباك مع معضلاته الأساسية.
هكذا يصبح الإسلام والعلمانية فاعلية فكرية اجتماعية كفاحية من أجل التحرر الحقيقي للتراث من الميراث الذي أضحى يشكل عقبة معرفية في الخطاب الإيديولوجي للحركات الإسلامية المعاصرة. وهما يرميان من خلال هذا الجهد الإنساني إلى الاندماج بالعالم الواقعي، ونشر ما يعتقد الإسلاميون والعلمانيون أنه التنوير الحقيقي في الفضاء الاجتماعي على قدم المساواة، حيث أن التنوير لم يكن حكرا على التجربة التاريخية الغربية المحددة بعصر صعود البرجوازية والرأسمالية منذ القرن السادس عشر، بل إن الحضارة العربية الإسلامية امتلكت تراثا تنويريا مع ابن رشد في القرون الوسطى، سبق التنوير الغربي في العصر الحديث.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.