اليوم - السعودية إلى جانب الكثير من الفنون والآداب، كانت الفلسفة تضم في داخلها شتى أنواع العلوم، وعلم الفلك الذي كان بدايته تلك الأسئلة، التي انبثقت في ذهن الإنسان الأول، لحظة أن رفع رأسه إلى السماء، من أهم تلك العلوم التصاقاً بذوات الفلاسفة، كونه عِلّماً يحمل في طبيعته خاصية التأمل والذي يرتبط ارتباطا وثيقاً بسؤال الفلسفة الأول عن غرض وجود البشر. في سنة 340 قبل الميلاد، وبعد تأمله المتكرر لخسوف القمر، اكتشف الفيلسوف اليوناني الأشهر أرسطو الذي ألف في الشعر والأدب، وغيرها من الفنون، اكتشافا علميا باهراً سجله في كتابه في السماء (On The Heaven)، فالخسوف كان دوماً على شكل قوس، وبما أن الخسوف هو ظل الأرض على القمر، والظل يحمل دوماً شكل الأصل، إذاً فالأرض مستديرة وليست مسطحة كما كان شائعاً حينها. تلك الحادثة كانت دليلاً واضحاً على تمازج الفلسفة بالعلم حينها. مع جريان الزمن ونضوج العقول والمعرفة، بدأت الفنون والآداب في الانفكاك عن حضن الفلسفة الرؤوم، وأخذت تبلور شخصياتها ومفاهيمها الخاصة. وفي القرنين الأخيرين، أي بعد القرن التاسع عشر، استقرت معظم الجوانب الفكرية من فتوحات الفلاسفة وتأملاتهم وأخلاقياتهم على شكل قوانين وتشريعات حقوقية، في دساتير سياسية تعاقدية، بين فئات المجتمع، ضابطة للحياة، ضامنة للحقوق. فكانت أدبيات فلاسفة التنوير الأوربيين مثل جان جاك روسو، وجون لوك، وايماينويل كانت، وغيرهم من الفلاسفة قد أنشأت وعياً لدى الشعوب بالحقوق؛ مما أدى إلى صراع بين قوى التسلط وقوى المجتمع التي تشربت تلك الأدبيات، والتي انتصرت في النهاية على قوى السلطة القديمة بشقيها السياسي والفكري. ويبدو للمراقب أن الفلسفة قد وصلت إلى مداها ومنتهاها، بعد أن جسدت أمثلة بشرية عن المجتمعات الحلم، والتي تزدهر فيها الحرية بكل أبعادها؛ الفكرية والدينية وضمانات حقوق الإنسان، فقل زخم الفلسفة والظهور على سطح الصراعات، وبدأ النقاش ينحصر في جزئيات تفصيلية لا تعني سوى نخب النخب، من قبيل معارك الحداثيين وما بعد الحداثيين عن جدوى إنجازات الحداثة وقدرتها على تحقيق حلم الإنسان. لكن هناك سببا آخر أهم من وجهة نظري وهو الذي سنتطرق إليه في الجزء الثاني من المقالة. تويتر @attasaad1