«يروى أن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى أعرابيًا يصلي صلاة خفيفة، فلما قضاها، رفع الأعرابي يديه إلى السماء وقال: اللهم زوجني الحور العين، فقال عمر رضي الله عنه: لقد أسأت النقد وأعظمت الخِطبة». ليس موضوع المقال الصلاة، ووجود من لا يصلي مع شديد الأسف، ولا خفة الصلاة وطول الوقوف خارج المسجد، ولا أصوات الجوالات التي لا تتوقف مع سؤال الله الفردوس الأعلى من الجنة! الموضوع هو أحفاد الأعرابي الذين يتواجدون في ساحتنا بكثرة مع شديد الأسف! مسؤولون يريدون أن يُشكروا ويُقدّروا، وتُكتب أسماؤهم بمداد من ذهب، بل ويغضبون ويهاجمون المجتمع إن لم يحظوا بالتقدير الذي يريدونه، بينما هم لم يقدموا من العمل والمشاريع إلا ما يستحق أقل من الشكر والتقدير! موظفون يريدون أعلى الدرجات في تقدير الأداء الوظيفي، بينما هم طوال العام بين غياب وتأخير وأداء لا يعطيهم الحق بما يطالبون به، فإذا جاء وقت التقويم يتناسون ويريدون من الآخرين أن ينسوا! شباب طموح يريد أن يبقى في ذاكرة التاريخ بكتب تتصدرها أسماؤهم، ومع كل معرض ترى إعلاناتهم عن التوقيع على كتبهم، بينما هم لا يملكون من العلم والفكر ما يعطيهم القدرة على التأليف الذي يبقيهم حتى على هامش التاريخ، وبالتالي يكون الإنتاج أضحوكة تاريخية، لن يستطيعوا التخلص منها حتى ولو أرادوا! آباء وأمهات يريدون أبناء صالحين مميزين، بينما معظم وقتهم مع الأصدقاء بين الاستراحات والمجالس والبراري، ولا يقدمون لأنفسهم أولا، ولا لبيوتهم وأبنائهم ما يحقق هذا الهدف العظيم! هذه نماذج من أحفاد الأعرابي الذين يعظمون الخِطبة (بكسر الخاء) ويُسيئون النقد، بل ويتجاوزون الأعرابي في زماننا هذا بأنهم يتفننون في تحميل ضعفهم على غيرهم، ولا تجد لهم حديثًا إلا عن نظرية المؤامرة التي تستهدفهم وتستهدف مجتمعاتهم، فتحرم هذا المجتمع من إسهاماتهم الفذة! باختصار: يجب أن نتحرر من الأوهام، ونعلم أن من أعظم الطموح يحتاج أن يقدم الوقت والمال والفكر الذي يتناسب مع طموحه!