وصفت جريدة «الغارديان» البريطانية مدينة حلب بعد أن سيطرت قوات النظام السوري على أغلب أحيائها بأنها باتت «مقبرة كبرى». هكذا المشهد اصبح في اقدم واعرق مدينة في التاريخ، اصبح لا يرى سوى برك من الدماء وركام من الجثث المشوهة، بعد هذا الوابل من القنابل والصواريخ والقتل الممنهج. ان هذا الاستمرار في القصف الهمجي واللاإنساني لمدينة حلب، والمذابح الجارية والفظاعات التي يرتكبها هذا النظام الارهابي بدعم من روسيا وميليشيات ايران، بحق الاف المدنيين الأبرياء والاطفال والنساء وحصارهم وتجويعهم وتهجيرهم، امام صمت العالم كله وتكرار ما حدث في البوسنة ورواندا، يعد بحق عار القرن الحادي والعشرين وانتهاكا لكافة الحقوق الانسانية التي كفلتها القوانين الدولية. وكما ذكرت في مقال سابق ان النظام والداعمين له يحاولون من خلال السيطرة على مدينة حلب تحقيق عدة أمور رئيسية: الأمر الأول: تغيير موازين القوى على الأرض قبل التفاوض، ففي ظل الترهل الدولي، والفترة الانتقالية للإدارة الامريكية، تحاول روسيا دعم النظام للسيطرة على مدينة حلب التي تحمل أهمية استراتيجية كبيرة، لتعزيز موقف النظام التفاوضي في أي تسوية سياسية في المستقبل والضغط على المعارضة للقبول بشروط النظام لا سيما فيما يتعلق بعملية الانتقال السياسي والقبول بالأسد في المرحلة الانتقالية بعد أن يتم فرض أمر واقع جديد على الأرض عبر السيطرة على المدينة. الأمر الثاني: اعادة الاستيطان لميليشيات النظام، وذلك من خلال التضييق على قوات المعارضة واضعافها وإجبارها على الخروج. يقول العقيد عبدالجبار العكيدي، مؤسس أول مجلس عسكري ثوري في حلب، «يبدو واضحا أن النظام يريد تهجير أهالي حلب بهدف فرض واقع ديموغرافي جديد في المنطقة، في وقت لا خيار أمام العائلات إلا الصمود». فمدينة حلب كما هو معروف مقسمة إلى مناطق تابعة للمعارضة وأخرى تابعة لأنصار الحكومة، فالحكومة تسيطر بشكل محكم على الجانب الغربي من المدينة، بينما يخضع الجانب الشرقي من المدينة للثوار. فالنظام يحاول الضغط على البيئة المجتمعية للمعارضة للنأي بنفسها عن الثوار أو العمل على تهجير أهالي حلب الذين يصرون ويتمسكون بالبقاء في مدينتهم، رغم أنهم لا يملكون قوت يومهم، واستبدالهم بعناصر ميليشيات النظام الحليفة والموالية له للاستيطان فيها كما حصل في مناطق أخرى من سوريا. يقول مدير المرصد، رامي عبدالرحمن، إن الآلاف نزحوا «من الأحياء التي لا تزال تحت سيطرة مقاتلي الفصائل في حلب إلى القسم الغربي خلال ال24 ساعة الأخيرة»، مؤكداً أن «بعض الأحياء في شرق المدينة باتت خالية تماماً من السكان». فاذا نجح النظام في هذا المشروع في حلب فإنه يسعى الى تعميمه في باقي المدن في إدلب وصولا إلى المنطقة الساحلية. ولا ننسى انه في عام 2012 قام النظام بنفس الأمر عندما شن هجوما عنيفا وشرسا على مدينة حلب أجبر أكثر من 200 ألف شخص على الفرار من المدينة كما أكدت ذلك الأممالمتحدة. الأمر الثالث: قطع امدادات المعارضة، فحلب ملاصقة للحدود مع تركيا وتعتبر الحديقة الخلفية لها. كما أنها تعتبر بمثابة الرئة للمعارضة من خلال ادخال السلاح والمقاتلين وخروج الجرحى والمصابين للعلاج إلى تركيا. فمن خلال محاصرة حلب سوف يتم قطع هذا الطريق الحيوي والمعبر الآمن على تركيا لدعم المعارضة. كما ان النظام وروسيا يسعيان الى تمكين القوات الكردية «وحدات حماية الشعب الكردية» من السيطرة على الريف الشمالي لحلب المتاخم لتركيا، وبالتالي تصبح تركيا مهددة من قبل القوات الكردية وتنظيم داعش. وأخيرا يجب على المجتمع الدولي العمل على سرعة اغاثة هذا الشعب المنكوب وهذه المأساة المؤلمة ورفع الظلم عنه، ووقف هذه المجازر اليومية التي ترتكب ضد شعبه. ولا يوجد حل سوى ازاحة ارهابي واحد عن السلطة والا فان العالم سوف يكتوي من شرارة هذه الحرب. فإن استمرار هذه المأساة سوف يزيد من الغضب وترتفع نبرته اكثر واكثر بين الشباب المتحمس مما سوف يؤدي الى مزيد من ارتمائهم في أحضان تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الأخرى كطريقة للخلاص، وكذلك استمرار هذه المأساة استمرار في تدفق ملايين اللاجئين إلى العالم. * محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية