سفر القلوب

أُذِّنَّ للفجرِ فأيقظهُ صوتُ التوحيدِ فلبَّاهُ
فأعدَّ الزادَ وهيَّأهُ لرحيلٍ يرجو عُقباهُ
وصغارٌ قامَ يودِّعهم بدموعٍ فاضتْ عيناهُ
والزوجةُ قامتْ تبكيهِ تمسحُ خدَّيْهَا بِيُمْناهُ
والولدُ الأكبرُ ودَّعدوه الشوقُ ويغشاهُ
وتذكَّرَ يومًا يأتيه سيُفارقُ فيه دنياهُ
لِبْسُ الإحرامِ يزيِّنُه ينطقُ بالبشرِ مُحيَّاهُ
بلسانٍ يلهجُ بالذكرِ والقلبُ سعيدٌ بِمُنَاهُ
عندَ الميقاتِ نوى نُسكًا كيْ يرضى عنه مولاهُ
بخشوعٍ يملأُ خاطرهُ لبيكَ الحجةَ ربَّاهُ
والذنبُ يُؤرِّقُ مضجعَه يرجو الغُفران ويهواهُ
والأملُ بربٍّ توابٍ ليكفِّرَ عنه خطاياهُ
يشتاقُ لكعبةِ مولاهُ شوقًا قد زادَ وأغراهُ
ليطوفَ ويَسْتَلِمَ الحجرَ يخضعُ للدينِ ويرضاهُ
بينا تغشاهُ خواطرهُ إذ بيتُ اللهِ تلقَّاهُ
أيقظهُ الحالُ وأدْهَشَهُ بدموعِ الفرحةِ أبكاهُ
مِنْ شَوْطٍ سارَ إلى شوطٍ ربَّاهُ اقْبَلْنِي ربَّاهُ
ويُلِحُّ بدعوةِ مضطرٍ مَنْ يرحمُ ضعفًا إلّاه
مَنْ يجبرُ قلبًا منكسرًا، خابَ المتعلِّقُ بسواهُ
وبدمع التوبةِ ملتهبًا أمسىى يتأوى خَدَّاهُ
مِنْ زمزمَ بلَّلَ خديهِ وأراحَ القلبَ بِسُقْيَاهُ
ودَعا مولاهُ بمغفرةٍ يرجو مِنْ فضلِ عطاياهُ
فلعلَّ اللهَ يطهِّرهُ بعظيم الفضلِ ويرعاهُ
بمقامَ خليلِ الرحمنِ كانَ على الهدْي مصلاهُ
بينَ الجبلينِ ترددهُ بالمروةِ أَنْهَى مَسْعَاهُ
سبعةَ أشواطٍ في المَسْعَى يتمثَّلُ هاجرَ بِخُطَاهُ
اللهُ يفرِّجُ كًربتَها تَتَفَجَّرُ بالأرضِ مياهُ
يتحيَّن يومً الترويةِ كي يُسعدَ قلبًا بِمُنَاهُ
فغدًا وَقْفَتُهُ بعرفاتٍ، سيُبَلِلُ بالدَّمْعِ ثراهُ
يبتهلُ يناجي سيَّدهُ.. فيفيض الخير بيمناهُ
ليعودَ كيومِ وِلادته، طهَّره اللهُ ونقَّاهُ
فيفيضُ إذا غربتْ شمسُ نحوَ المزدلفةِ مسعاهُ
ويبيتُ على شوقٍ يهفو يترقَّبُ صُبْحًا بضياهُ
بمنىً موعدُهُ جمراتٌ يدعو، ويكبِّر مولاهُ
يتقرَّبُ للباري- فَرِحًا- هديا للمولى أهداهُ
ويحلِّقُ رأسًا إذعانًا إذ إنَّ الصادقَ أوصاهُ
ويفيضُ القلبُ لكعبته، يروي بالحبِّ حناياهُ
فالحجةُ للمسلمِ طُهْرٌ ترقى بكريمِ سجاياهُ
ربَّاه اجعلها موقظةً للعبدِ إذا ضلَّ خُطاهُ
واجعلها ربي ليَ ذخرًا فقَبُولك للقلبَ رجاهُ
واحفظ مولاي ثرى حرمٍ، واحفظ كعبته وسماه
واحفظ مَن صان عقيدتنا، وهُوتنا، وتَوَلَّاه