تحرص بيئات العمل التي تدعي التنظيم على عقد اجتماع تلو اجتماع، وفي كل اجتماع تلمح وجوهاً لم تدرك أنها موجودة في بيئة العمل أصلاً، خصوصاً في تلك الاجتماعات التي يحضرها رأس الهرم في هذه المؤسسة أو تلك. وبرغم تكرار مثل هذه الاجتماعات، إلا أن جدواها تكون غالباً شبه معدومة بنهاية المطاف. فمن الاجتماع التحضيري، إلى التمهيدي، وصولاً إلى التنفيذي.. تبقى المشكلة الأهم كامنة في فقدان المتابعة عبر تفعيل مهارات الاتصال. فيتم النداء لحضور اجتماع جديد.. وهكذا. نعم.. أغلبهم يغادر الاجتماع مبتسماً، لكن هذه الغالبية أيضاً ينسون المطلوب منهم حال عودتهم إلى مكاتبهم! ولهذا عدة أسباب ربما يكون من أهمها ما يلي: * انعدام المهارات الإدارية لدى القادة (ليسوا مؤهلين لصناعة قرار). * تمسك القيادة العليا بالمركزية الشديدة الانغلاق. * الاتكال على السكرتارية التقليدية وخلو بيئة العمل من السكرتارية التنفيذية المدربة. * انعدام مراقبة الأداء (مهمة لتحديد مدى تكافؤ أداء الإدارات المشتركة في تنفيذ التوصيات). * وجود عديمي الكفاءة في مواقع حساسة. هذه باختصار هي أهم المعضلات التي تجعل الاجتماع للجدل حول مباراة مهمة في الدوري أثناء العمل أكثر فائدة من هذه الاجتماعات «الرسمية» التي لا طائل منها، بل وفيها هدر كبير للوقت والجهد ومساحة الممكن من تقديم الخدمات. وأكثر الناس عشقاً للاجتماعات هم البيروقراطيون، فهذا النمط يتلذذ كثيراً بالانتقال من كرسي مكتبه إلى كرسي قاعة الاجتماعات، ولا بأس من تجربة كرسي الانتظار خارج القاعة، وربما كراسي مكتب سكرتير المسؤول الذي نادى لهذا الاجتماع. وما يميز عشاق الاجتماعات لدرجة الإدمان هو أنهم لا يعلمون ما يريدون أصلاً، وحتى إن عرف غايته لاحقاً فهو بكل تأكيد لا يعرف كيف يصل لتحقيقها، ولذلك يقومون بدعوة أكبر عدد ممكن من الموظفين لحضور اجتماع، بينما المقصود هو الاستئناس بآراء شخص واحد منهم، ويكون حتماً صاحب موهبة وقدرات. بالمناسبة، بيئات العمل المركزية هذه تعاني من شتات مرعب في الرؤية والأهداف، ولو كان الأمر غير ذلك لما استدعي الموظفون لحضور أكثر من اجتماع يوميا! أبسط الأسئلة يقول: إذا حضر الموظف اجتماعين أو ثلاثة يوميا، فمتى يجد وقتا للعمل والإنتاج؟ بيئات العمل المنظمة فعلا والتي تسابق الزمن سعياً لتحقيق استراتيجيتها لا وقت لديها سوى للعمل. وللأحبة المركزيين العاجزين عن رسم أهدافهم أقول: أنتم في زمن التقنية.. والغاية التي من أجلها تعقدون ألف اجتماع ممكن أن تصل عبر الإيميل، والباقي رهين بالتواصل لمتابعة الأداء.