في الوقت الذي تطلب فيه العفو والمغفرة والنجاة من النار في صباحِ كلِّ يوم ومسائه، وتسأل المولى عزَّ وجل رضوانه، أن يهديَك سبُل الرشاد ويمحو عنك ذنوباً لا طاقة لك بها أبداً، في مقابل هذا تجد هناك من يلحُّ في الدعاء ب ( يا ربّ كثِّر ذنوبنا ) بقدر حبِّنا لنادينا ! هذه الأمنية جاءت في تغريدةٍ هَامَ مُغرِّدها عشقاً في ناديه الرياضي، ولعلِّي أُورد العبارة كاملةً بعد حذف اسم النادي :- إذا كان حبُّ ( ....... ) ذنباً يا رب كثِّر الذنوب كعشقِ ( ...... ) ، ( ...... ) شذى الأيام وبهجتها من غيره لا طعم للحياة ! لستُ من عُشَّاق الكرة الأرضية ولا من مُحبيها، ولستُ من الذين يتتبعون حاضرها وماضيها ومستقبلها وتاريخها القديم، ليس إجحافاً مني بهذه الرياضة العالمية العريقة، ولا عزوفاً من كِبَر، ولا ترفعاً عن هوايةٍ واحترافٍ، أحبَّها أكثر من نصف الكرة الأرضية حتى أصبحت أسعار اللاعبين في ميدان العرض والطلب بالملايين ! كلنا نعلم أن البلاء موكَّلٌ بالمنطق، ورُبَّ كلمةٍ قالت لصاحبها : دعني، وقوله تعالى : ( ما يلفظ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد )، نستسهل قول الكلمة ولا نعطي لها بالاً ولا ندري إلى أيِّ مدى تصل إلى السموات السبع، ونقذف بالعبارة ولا نعلم إلى أيِّ قاعٍ هي تقذفنا ؟ ننجرف بعاطفتنا الجياشة دون تفكير حتى تسيطر على قلوبنا فلم نعد نُميِّز بين ما هو مباح وجائز وبين ما هو محرَّم وغير جائز شرعاً . المولى - عزَّ وجل - لم يُحرِّم علينا ( الحُبَّ )، بل إنَّ من الآيات القرآنية الكريمة وأحاديث النبي المصطفى عليه الصلاة والسلام، ما أشارت إلى ضرورة ( نشر الحُبِّ ) على الأرض والتعامل مع كلِّ الجماليات والأشياء من حولنا بالحُبِّ المشروع، وجاء الأدب العربي والعالمي زاخراً بأشعاره ومقولاته عن الحبّ المعتدل والحبِّ المبالغ فيه الذي يصل إلى درجة " العشق "، إنَّ المبالغة في العاطفة تغييبٌ للعقل كما قال ( لوبون ) ، وكم يبدو العقل ضعيفاً عندما تنتصرُ العاطفة ! ( الحبُّ ) سرٌّ من أسرار سعادة الإنسان في هذه الدنيا ، جميلٌ أن ننشده في كلِّ أحوالنا ( في السراء والضراء ) وإلا فقدنا بهجة الحياة كلها، والمحبة كما قال بيرون : هي الأرجوحة بين البسمة والدمعة . " الحبُّ " الذي يتجاوز الحد قد نهى عنه رسولنا الكريم ورآه أنه إطراءٌ وغلوٌّ، فقال لصحابته : " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم "، فنهاهم عن مجاوزة الحد في الحبِّ والمدح، فإذا كان حبّ النبي له حدود ينبغي أن لا نتجاوزها فالأولى بنا أن لا نغلو في حبِّ أشياءٍ كثيرةٍ لها القدرة على دغدغة مشاعرنا من ( مال وبنين وقناطير مقنطرةٍ من الذهب والفضة والجاه والمنصب حتى تصل إلى كرة قدمٍ يسأل الواحد منَّا ربَّه أن تكثر ذنوبه بعدد عشقه لناديه الرياضي ) ! وقد يقول قائل: إنَّ المغرِّد لا يقصد الدعاء بمفهومه الجلي، وإنَّ هذه التغريدة هي من جماليات الكلم ومن بريق المفردات اللغوية، وهذا التبرير مردودٌ على صاحبه عندما نتذكر قول نبينا الكريم لمعاذ بن جبل- رضي الله عنه : ثكلتك أمك يا معاذ ! وهل يكبُّ الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ؟! يقول عمر أبو ريشة ( خيرٌ لك أن تقذف حجراً بلا تروٍّ من أن تقذف كلمةً بلا تروٍّ )، فلنحرص على انتقاء كلماتنا فهي عند الله إما أن تكون حجةً لنا أو علينا ! في الختام :- للتوضيح فقط :- التغريدة ليس لها أي علاقة بفريقين عملاقين تنافسا مؤخراً بشرفٍ على كأس سمو ولي العهد- يحفظه الله ويرعاه، فجمهور الهلال والأهلي لا يسألون المولى " ذنوباً " ، بل هم يسألونه العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة، وهذه هي الحكمة والعقل الصائب والرأي السديد من الرجل الرشيد .