العملية الأخيرة في الحسينية الحيدرية في سيهات، التي تبناها تنظيم داعش، تشير إلى استمرار استراتيجيته المتبعة في السعودية، والتي تركز على استهداف المواطنين الشيعة، والعاملين في القطاعات الأمنية والعسكرية، بهدف إنهاك المجتمع والدولة، وإدخاله في حالة فوضى. لا يمكن قراءة العمل الإجرامي في سيهات، ومن قبله الأعمال الإجرامية في الدالوة والقديح والعنود، دون استيعاب الاستراتيجية السياسية لهذا التنظيم، والتي تحاول إضفاء شرعية دينية عليها، إذ إن التنظيم لا يخفي وجود أهداف سياسية من وراء عملياته، وهو لا يتصرف بشكل عابث أو مجنون، لكنه يعمل في المملكة وغيرها، على إحداث الفتنة، وإشاعة الفوضى، ليوجد بيئة حاضنة لنموه وتمدده. إذا عدنا إلى أدبيات أتباع هذه الحالة الإجرامية، وتفكير قادتهم، نجد أن عمليات تنظيم داعش تصب في إطار إحداث فوضى في المملكة، يمكن للتنظيم الاستفادة منها، ولهذا الغرض، يقومون بعملياتٍ للعمل على إنهاك الدولة والمجتمع في المملكة. يشرح أبو بكر ناجي، أحد منظري هذه الحالة، في كتابه "إدارة التوحش"، المراحل الثلاث التي يجب أن يتبعها أبناء هذه التنظيمات، للتمكن من إقامة الدولة الإسلامية، أولها "شوكة النكاية والإنهاك"، والمقصود إنهاك العدو وإرهاقه، من خلال استهدافه بمجموعة من العمليات، حتى لو كانت صغيرة الحجم والأثر، لتتصاعد لاحقاً، ويكون لها تأثير على المدى البعيد. يؤكد أبو بكر ناجي، على أهدافٍ أساسية من مرحلة الإنهاك، مثل: جذب شباب جدد للعمل الجهادي، بالقيام بعمليات نوعية، بين فترة وأخرى، تلفت أنظار الناس، وكذلك، الارتقاء بمجموعة النكاية بالتدريب والممارسة العملية، ليكونوا مهيئين، نفسياً وعملياً لإدارة التوحش، وإخراج المناطق المختارة من سيطرة الأنظمة، والعمل على إدارة التوحش فيها. إدارة التوحش هي المرحلة الثانية التي تلي الإنهاك، وفيها يقوم شيء مشابه لإمارة إسلامية، تدير الفوضى القائمة، وتقوم ببعض مهام الدولة، على طريق الوصول إلى المرحلة الثالثة "التمكين"، والتي تقوم فيها الدولة الإسلامية، وتبسط نفوذها. هذه الاستراتيجية، تفسّر استهداف المواطنين الشيعة والقوى الأمنية، فالهدف خلق صَدْعٍ طائفي، وإضعاف القوى الأمنية التي تحافظ على استقرار البلاد، ولا ننسى أن هذا التنظيم، مولود من رحم أحداث العراق، ما يجعل التنظيم مهووساً باستهداف المواطنين الشيعة، لكون هذه المسألة مفتاحية في خلق حالة فوضى يريدها، وقد كانت هذه خطة أبي مصعب الزرقاوي، الأب الروحي لهذا التنظيم. هنا، لابد من الحذر من تضييع الفارق بين فهم أهداف التنظيم، وسَوْقِ المبررات للانضواء تحت مظلة خطابٍ طائفي إقليمي، فمن يحرص على وحدة المجتمعات العربية، لا يذهب في حفلة تراشق طائفية، يُذْكِيها توتره من الصراعات في الإقليم، ولا يصب الزيت على النار، لأن هذا يخدم في نهاية المطاف، أهداف كل من يريد الفتنة وسفك الدماء، ومن يشعر بمسؤولية وطنية، فلابد أن يحرص بشدة على مجابهة الطائفية، بالذات في وقت التوتر والأزمات.