«آه يا الدنيا! كنت أعطيهم دورة بالسيكل، والحين يمرون بالسيارات ولا يسلمون» هذه الطرفة تحكي حال من تقدم غيره وهو ما زال في مكانه ثابتاً، لا يملك إلا (كنت وكنت)! أذكر عندما كنا طلاباً في المدرسة كنت أغبط الذين يعيشون حياتهم كيفما أرادوا، لا يذاكرون! ومتى ما أرادوا غابوا! بينما نحن يضغط علينا والدينا من أجل دراستنا! فلا نحلم بالغياب إلا ونحن في أشد حالات المرض! ولم نر السيارة إلا في مراحل متقدمة من العمر! ولا نخرج من البيت إلا بمعرفة لماذا؟ ومن نحن معه؟! وكنا نقابل بسخرية من بعض الزملاء لهذا التشدد من أهلنا! ولكن عندما تقدم بنا العمر عرفنا من سعى أهله في مصلحته ومن أضاعوه فأصبح في كبره يدور على زملائه ليذكرهم بزمالته لهم، ثم يختمها بسلف خمسين! لقد زالت عنتريات الأمس، وظهرت النتائج المرّة والمؤلمة والتي يدفع البعض ضريبتها طوال حياتهم! ومع ذلك فالواقع يقول إن باب التعويض ما زال مفتوحاً وإن كان ليس بسعته في الماضي، وأن التعلم لا يتوقف ولا يجب أن يتوقف! فأحد مفاخر التعليم في الدول المتقدمة، هو التعلم مدى الحياة، وسنوات الدراسة النظامية ما هي إلا مؤهّل للتعلم وبناء الذات! وقد قال جون ديوي: إن التعلم الحقيقي يأتي بعد أن نترك المدرسة، ولا يوجد مبرر لتوقفه قبل الموت! وقبله رد الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله على الرجل الذي سأله عندما رأى معه المحبرة: يا أبا عبدالله أنت قد بلغت هذا المبلغ، وأنت إمام المسلمين، ومعك المحبرة تحملها! فكان الجواب: مع المحبرة إلى المقبرة! إذن الأهم بدل التحسر على الماضي، أن يعزم الانسان ويضع الخطط ويبدأ في تطوير نفسه وتنمية قدراته لتدارك ما مضى، فمن لا يتقدم يتقادم، ومن لا يستمر في الصيانة والبناء يتحول بناؤه إلى خراب، وعندما تنظر إلى انتاجك الماضي فتستغرب ضعفه فاعلم أنك تتقدم وترقى، أما إذا نظرت إليه بإعجاب فاعلم أنك تهوي! والأهم أيضاً ألا نكرر الأخطاء التربوية التي تعرضنا لها مع أولادنا وطلابنا، فنظرتهم الحالية خادعة وزائلة، أما نظرتهم القادمة مع نضجهم وكبر سنهم فهي الصادقة والباقية!