لا أحد يعرف أو يتنبأ باحتجاجات الشعوب العربية ضد بعض أنظمتها، وإلى أي مدى يمكن ان تصل اليه. فالإعلام الذي يحاريها بدأ يفقد لياقته في الركض السريع وأصبح المشهد مكررا لا يحمل أي جديد سوى صور القتل وحشود المظاهرات وبنادق ورشاشات الجيوش التي تسحق تطلعات البشر. كل محلل سياسي ظهر على شاشة الفضائيات العربية تحول مع مرور الايام والشهور الى عازف يكرر جمله اللحنية دون معلومة أو ابتكار فيه الهام للشعوب المتقلبة على الجمر حتى تكاد تخال ان ما ينطبق على سوريا ينطبق على اليمن وينطبق ايضا على ليبيا. الانظمة هي الأخرى طورت من اساليبها في التصدي والقمع وابتكرت تقنيات عسكرية واعلامية وسياسية جديدة في خضم المواجهة المحمومة مع شعوبها بعد ان درست حالة تونس ومصر في سرعة تخلي الجيش عن النظام والاصطفاف مع الشعب أو على الاقل الوقوف في موقف الحياد والانتظار لذلك سرعان ما ادركت تلك الانظمة ان الجيش عامل مهم في عدم انفراط سلطتها لذلك زجت به منذ البداية وورطته في استخدام اساليب القمع وسفك الدماء ما يدفعه الى التماهي مع النظام وحمايته ذلك احد الدروس المستفادة من ثورتي مصر وتونس، ناهيك عن مراهنة خطيرة قامت بها الانظمة تمثلت في إحداث انقسام في النسيج الوطني لبلدانها وأظهرت للعالم ان المناوئين هم مجموعات متمردة مسلحة ومرتبطة بعناصر خارجية وان الاغلبية مع النظام وهذه اللعبة الخطرة في تقسيم الشعب تؤثر مستقبلا على تفكك في بنية الاوطان وتدفع الى حروب اهلية مستقبلية. ايضا المجتمع الدولي يكرر نفسه في رد الفعل والاستجابة فهو يعتقد ان سحب الغطاء السياسي من هذه الانظمة كاف لانهيارها وعندما ادرك ان التأثير قليل غير اتجاهه الى التدخل العسكري كما هو حادث في ليبيا وهو تدخل خطير يورط المجتمع الدولي في نزاعات وطنية وأهلية قد يطول أمدها ويفكك البلدان، ولعل تجربة العراق والتدخل الامريكي خير دليل على فداحة الخطأ. ربما يكون هناك استكشاف آخر يجب تجريبه ويتمثل في التسوية السياسية في الثورات العربية بدلا من النزاع الطويل المدمر في ظل تمسك انظمة ببقائها وفي ظل ممانعة شعوبها، ولعل تجربة مجلس التعاون الخليجي في ازمة اليمن خير مثال على ضرورة تجربة التسوية السياسية للوصول الى بر الامان بأقل الخسائر وكل شيء ممكن في السياسة وفي الاخير ستصل الدول الكبرى الى هذه التسوية بفعل مؤثرات وضغوط داخلية في بلدانها وتورطها الذي يكلف اثمانا باهظة.