اليوم سوف أحكي لكم أعجب قصة..حيث كنت في بداياتي، وكشأن أي صحفي مبتدىء، أبحث عن النجوم الذين يدعمون المطبوعة التي أعمل بها بآرائهم، وكان الفنان طلال مداح رحمه الله من أبرز أولئك النجوم الذين كنا نبحث عنهم.. وذات يوم وبينما كنت أهم بإنهاء عمل صحفي التقيت به بمحض الصدفة، ولم أتردد لحظة في طلب اجراء لقاء صحفي معه، وحدث مالم أتوقعه، فقد أبدى موافقته على الفور شريطة أن ألتقى به بجدة.. ومن فرط لهفتي للقائه سافرت الى جدة، واتصلت به هاتفيا، وكان طلال كعادته يتلقى المكالمة بشكل جيد، ويستقبلها كما عودنا بطيبته الحانية، التي لو وزعت على الكن لأمطرته حبا ونقاء. في الرابعة من عصر ذاك اليوم الذي حدده للقاء، أسرعت اليه الخطا بسيارتي، وأنا متحمس لمحاورته، ولدى وصولي لمقر اقامته وجدت أحد أصدقائه في انتظاري لدى البوابة،وحين سألته عن الفنان طلال بادرني بالسؤال: هل أنت الصحفي الذي ينتظره أبو عبدالله؟ قلت: نعم، فقال: انه في انتظارك. صعدت المصعد برفقة صديقه، ويدور في تلك اللحظة بخلدي مائة سؤال وسؤال وأنا غير مصدق لقاءه.. وهل سأحاور قيثارة الشرق؟! من أين أبدأ معه؟ وأسئلة أخرى حيرى.. ولكن (خلها على الله)!! توقف المصعد.. خرجت بخطا متثاقلة.. وجدت أمامي بابا مفتوحا ولكن ليس بالشكل الكامل.. طرقته، ووجدته أمامي.. من؟! انه قيثارة الشرق، طلال مداح رحمه الله يالها من مفاجأة.. وجدته منهكما في قراءة كتاب يحمله في يده.. وحين احس بي رفع رأسه وبادرني بالسؤال: من أنت؟ قلت: أنا عبدالله الراجح الصحفي الذي وعدته بإجراء الحوار معك.. قال: أهلا تفضل.. أجلسني بجواره، فظللت أنظر اليه خلسة بين الفينة والاخرى وأنا أعيد تاريخ الفن وأمجاده وعمالقته، وأقول في نفسي: من ذا الذي يجرؤ على منافستك؟! (سوف تعجز الامهات عن الاتيان بمثلك ومثل طيبتك)! أحس بي وأنا أنظر إليه وأرمقه، وبابتسامته الشفافة المعهودة وبأبوته الحانية قال لي: كيف حالتك يابني؟! قلت: الحمد لله، قال: ماذا تريد أن تشرب؟! قلت وبصوت مخنوق: شكرا يا أبا عبدالله، قال: إذن فلنبدأ حوارنا.. لم أصدق نفسي وأنا ألملم أسئلتي لأبدأ الحوار، ومن فرط فرحتي انحلت عقدة لساني، وبدأت أمطره بالأسئلة، سؤالا تلو الآخر، ومن جانبه وكما عودنا كان صريحا في اجابته جريئا في تناوله.. ومن أبرز نقاط ذاك الحوار قوله: انه لا يوجد خليفة لطلال مداح!! وان محمد عمر تكمن مشكلته في الاستعجال للوصول الى مستوى محمد عبده، وان عبدالمجيد عبدالله هو أكبر عصفور فني، كما راهن وتحدى على اعتزال الفنان محمد عبده، وقال انه (لن يعتزل) وبرر ذلك بقوله: (يموت الزمار وتبقى أصابعه تزمر) أما مفاجأة الحوار التي أوردها هي وصفه للفنان خالد عبدالرحمن بأنه أبرز فنان يؤدي الأغنية النجدية وبلا منافس، وحين أعدت عليه السؤال وأناغير مصدق لإجابته، قال بالحرف الواحد: خالد عبدالرحمن هو أحسن فنان يؤدي الأغنية النجدية وبدون منافس، وقال انه فنان ولد في هذه البيئة وعرف مخارج الحروف النجدية ويخرجها بشكلها الصحيح دونما خطأ.. وحين بادرته بسؤالي: ومحمد عبده ألا يتقن هذا اللون؟ قال: محمد عبده فنان كبير وهو من الفنانين الذين دونوا الفن الشعبي أو التراث في الأشرطة، غير أن خالد عبدالرحمن أفضل من محمد عبده في أداء الأغنية النجدية.. هنا قلت له: وهل صحيح ما قيل عن اتجاهك للتعاون مع خالد عبدالرحمن؟ قال: نعم سوف آخذ من كلماته والحانه، لأن خالدا يملك حسا فنيا جميلا، من ناحيتي الكلمة واللحن، وهو من الفنانين الذين سيكون لهم شأن في الساحة الفنية. ومات طلال مداح ولم يتم التعاون مع خالد عبدالرحمن لكن بقي صوت طلال خالدا في ذاكرتنا.. رحمك الله يا طلال وأسكنك فسيح جناته.