ثمة تضاد كثير ما يحدث بين الحس الإبداعي للكاتب والأداء التجريدي للمصحح اللغوي ومدى تأثير ذلك على المادة المنشورة, فقد يرمي الكاتب بالكلمة الى هدف بعيد يراه المصحح قريبا فيتدخل بالتعديل والبتر والتوصيل لحروف الكلمات متيقنا من صحة ما يقوم به ومدركا لكافة قواعد صنعته غير منتبه الى انه بذلك ربما أفسد على الكاتب فكرته وسد عليه طريق هدفه, وقد سردت كاتبة المقال العديد من الأمثلة لهذه التدخلات في مقالها ومدى انزعاجها من ذلك ولها الحق فيما ذهبت اليه فهي استاذة في اللغة وعلم الكلام, اما المتذوقون مثلي من غير المختصين في قواعد اللغة العربية فربما وقعوا في بعض الأخطاء اللغوية فقد يرفعون المنصوب ويكسرون المرفوع عن غير سبق وإصرار او تعمد وهو ما لا يحدث كثيرا. والحقيقة ان المصحح اللغوي هو امتداد لمن يرون في أنفسهم حماة للغة وحراس قواعدها, فرأيهم صواب لا يحتمل الخطأ ورأي غيرهم خطأ لا صواب فيه, فهم مهندسو الحروف ونقاطها ومن حقهم فرض وصايتهم على منشآتها وأبنيتها, فلا نتعجب ان رأيناهم يعربون لفظة دخيلة عليها كما يروق لهم غير ملقين بالا لرأي من قد تخصهم هذه اللفظة فيستبدلون لفظة (الفاكس) بكلمة (الناسوخ) ويتفلسفون فيعربون كلمة (كمبيوتر) على ثلاثة أوجه ففريق يقول (حاسب) وآخر (حاسوب) على وزن (فاعول) مثل كلمة (صاروخ) وغيرها ويصر على رأيه فاللفظة قابلة للاشتقاق فيمكن القول (حوسبة المكاتب) مثلا.. في حين يرى الفريق الثالث تسمية تلك الآلة باسم (محاسب) على وزن (فعال) ويضرب الأمثلة المؤيدة لرأية.. وبين هذا وذاك يضيع معنى الكلمة التي هي في أغلب الظن لا ينطبق على حقيقتها أي من الألفاظ الثلاثةالتي ربما توافقة معا ما يسمى بالآلة الحاسبة Calculator لانها مشتقة من الفعل Calculate بمعنى يحسب او يعد او يحصي أما كلمة Computer فهي مشتقة من الفعل Compute والتي تختلف في المعنى عن سابقتها, فالمختصون في علوم الكمبيوتر يدركون الفرق بين هذه وتلك, وببساطة يمكن القول بانه اضافة الى إمكانية قيام الكمبيوتر بالعمليات الحسابية Arithmetic Operations فإنه يتميز كذلك بقدرته كذلك على اجراء ما يسمى بالعمليات المنطقية Logical Operations وهنا يبدو هذا الخطأ الفادح في تعريب اللفظة كما قدمه لنا جهابذة اللغة العربية جليا واضحا, وقد يكون استخدام اللفظة كما وردتنا أفضل بكثير من مثل هذه الاجتهاد غير الموفق, وهناك العديد من الكلمات التي استخدمت كما هي ولم يتم تعريبها ولم يتعرض لها السابقون بالتعريب لا لعدم قدرتهم على ذلك بل ولكن لإدراكهم بعقم الجدل البيزنطي واضاعته لوقت المتلقي وتشتيت فكره فيما لا ينفع وإلا لم يعربوا كلمة (برتقال) مثلا! ان المتابع لمثل هذه القضايا يقف متعجبا في حيرة من أمره فلو سلم بنظرية المؤامرة لاعتبر ان مثل هؤلاء الجهابذة المستبدين برأيهم ما هو إلا امتداد للاستاذ (حمام) مدرس اللغة العربية الذي أظهرته السينما في فيلم (غزل البنات) على هيئته الرثة المزدراة وحياة الفقر والتشرد التي يعيشها من عمل في مثل هذا المجال ومدى الترف والتنعم لدى غيره ممن يجهلون اللغة وقواعدها, ولا تدري لماذا تعمدت وسائل الإعلام تكرار الإساءة الى المشتغلين باللغة العربية وممتهينها؟! لقدكان لهذه الإساءات باع كبير في التأثير على عقول جيل من أبناء الأمة العربية مما ساهم في اعادتهم النظر في توجهاتهم الدراسية وعزوفهم عن دراسة لغتهم مما اضطر كليات التربية في الحبيبة مصر لان تضع مكافآت مالية للطلاب الذين يلتحقون بأقسام اللغة العربية فيها!! وكي لا يفهم القصد بطريقة الخطأ فاننا لا نطالب هنا بإيقاف عملية تعريب ما يردنا من ألفاظ فمما لا مرية فيه ان بحر اللغة زاخر بالدرر واللآلي ولكنها ستظل فقط من نصيب الذين يجيدون الغوص فيه, لان فن الكلام صنعة لا يجيدها غير متمرس محترف, قادر على تطويع الحروف, وتليين الكلمات ليشكل منها أنسب الكلمات وأتم العبارات بنفس قدرته على صياغة أروع القصص والروايات وأجزل القصائد والأبيات, فكما ان سلامة العبارة وحلاوة الأسلوب يحصل معها فهم الموضوع وجلاء اللبس والغموض, فدقة اللفظ وفهم المدلول سيجلب حتما أنسب الألفاظ للوصف والتعريب, نعم.. وقد صدق من قال على لسان اللغة العربية: أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاته؟ عيد إبراهيم محمود إبراهيم