تخطت غالبية الصيدليات المصرية دورها في بيع الدواء لتصبح مستشفى منتشرة في كل مكان توفر الاستشارات الطبية وتحدد الدواء المطلوب للمرضى حيث يلجأ الكثير من المصريين إلى الصيدلي لتشخيص الداء وصرف الدواء مباشرة دون اللجوء إلى الطبيب هربا من قيمة الكشف "الفيزيتا" المغالى فيها والتي تصل عند بعض الأطباء إلى 200 جنيه مصري. ويضطر المصريون للتعامل مع الصيدلي لتوفير أتعاب الدكتور خاصة في الحالات غير المستعصية والآلام الخفيفة بدلا من إنفاق ميزانية الأسرة في عيادات كبار الأطباء. ورغم توافر العيادات الطبية التابعة للجمعيات الأهلية في العديد من الأحياء المصرية إلا أنها أصبحت في ظل غلاء المعيشة الحالي لا تناسب العديد من الأسر المصرية خاصة في الأحياء الشعبية بسبب تدني الدخول الأمر الذي يدفعهم للتعامل مع الصيدلي عوضا عن الطبيب. ويرى د. أسامة عبد المنعم (صيدلي) أن ظاهرة اعتماد المريض على الصيدلي في تشخيص الداء وصرف الدواء بدون استشارة الطبيب بدأت في التفشي في مصر وتزداد ظهورا في الأحياء الشعبية على عكس الأحياء الراقية التي يصر فيها المرضى على مراجعة الطبيب دون النظر لقيمة أتعابه أو قيمة الدواء. وأرجع د. أسامة أسباب هذه الظاهرة إلى عدة عوامل على رأسها ثقة المريض في الصيدلي وغلاء المعيشة واعتماد صغار الأطباء على وصف ثلاثة أشياء دون تغيير إما مضادا حيويا أو خافضا للحرارة أو مسكنا للآلام الأمر الذي جعل المرضى أطباء لأنفسهم بسبب معرفتهم المسبقة بما يكتبه الطبيب. والخوف كل الخوف، كما يرى د. أسامة، من غياب الضمير في الصيدلية التي يمارسها الكثيرون من غير الأطباء الصيدليين الذين تدربوا على صرف "روشتة" الطبيب وهم غير مؤهلين لذلك حيث يستثمرون هذه الظاهرة بطريقة تجارية بحتة دون الاهتمام بالحالة الصحية للمريض أو الضمير المهني بهدف تحقيق أعلى ربح للصيدلية حيث يلجأون في بعض الأحيان إلى صرف الدواء الأرخص الذي يناسب نوعية المريض ولكنه إما منتهي الصلاحية أو الذي اقترب من انتهاء فترة صلاحيته أو صرف دواء في غير محله ليضمن تحقيق نسبة ربح مرتفعة. وناشد د. أسامة المرضى بضرورة مراجعة الطبيب قبل صرف الدواء خاصة أن شركات الأدوية تتبارى في أنواع الأدوية التي تطرحها وجميعها متباينة التعاطي رغم أنها مخصص داء بعينه فمثلا داء الكحة والسعال وهو أكثر من 15 دواء والطبيب هو الوحيد الذي يحدد أي نوع يناسب الحالة الصحية للمريض. بينما يرى الكيميائي أحمد نصار (خريج كلية العلوم قسم كيمياء) مدير إحدى الصيدليات في أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة ان ظاهرة الصيدلي صديق الأسرة فرضت وجودها في الأحياء الشعبية الأمر الذي دفع بعض أصحاب الصيدليات إلى الاستعانة بأطباء مبتدئين وأحيانا مخصصين لتشخيص الحالات الصحية وصرف الدواء مباشرة أو حقن المرضى بحقن العضل والوريد. كما تضم بعض الصيدليات خاصة في المناطق الشعبية ممرضة متخصصة في تغيير الجروح والحروق البسيطة داخل الصيدلية وقياس الضغط ونسبة السكر في الدم.. ونفى أحمد تشخيصه لحالات المرضى وصرف الدواء لهم داخل الصيدلية مؤكدا أن عمله ينحصر في الإدارة كمدير لشئونها التجارية وعلاقاتها مع شركات الأدوية فقط. كما أعترف بأن هناك العديد من المرضى الذين يتعاملون مع الصيدلية في صرف أدوية بدون روشتة طبيب ولكنهم يطلبون دواء محددا وهم على علم وثقافة كبيرة بنوعية الأدوية وأعراضها الجانبية ولذلك من الصعب إقناعهم بغيره أو صرف دواء بديل وهؤلاء المرضى تزداد نسبتهم بين مرضى الحالات المزمنة كمرضى السكر اللذين يلجأون لتكرار الروشتة دون الرجوع للطبيب الذي يكرر بدوره الدواء. وأخشى، والكلام على لسان الكيميائي أحمد نصار، من ارتفاع سعر الدواء بعد تدهور سعر الجنيه المصري عقب قرار الصرف الأخير حيث بدأت بعض شركات الأدوية في رفع قيمة أنواع معينة من الدواء بما لا يتناسب مع الحالة الاقتصادية لكثير من المرضى خاصة أن هناك الكثير من المرضى يصرفون الدواء لأجل لنهاية الشهر بسبب حالاتهم الاقتصادية ولدي منهم العشرات الذين أصبحوا من زبائن الصيدلية بصورة مستديمة. وتؤكد رابعة الختام الصحفية بإحدى المجلات الطبية ان عدد الحالات التي تستعين بخدمات المجلة في الحصول على خطاب تحويل للكشف الطبي المجاني لدى كبار الأطباء قد زاد في الآونة الأخيرة بسبب تدني المستوى الاقتصادي لبعض القراء وفي نفس الوقت ارتفاع تكلفة الكشف الطبي عند الكثير من الأطباء حيث تتراوح تكلفة الكشف من 50 إلى 200 جنيه وهو ما لا تتحمله أي أسرة محدودة الدخل وهم كثيرون. وتضيف رابعة :ان المجالس الطبية بوزارة الصحة المصرية تمنح يوميا قرارات علاج على نفقة الدولة لآلاف المرضى من إجمالي ملايين الحالات المرضية التي تستغيث بها للعلاج بسبب تدني حالاتهم الاقتصادية ورغم ذلك فإن مظلة التأمين الصحي وقرارات العلاج على نفقة الدولة لا تظل إلا مرضى الحالات المزمنة والجراحات العاجلة وتبقى مشكلة الأمراض الأخرى وأسعار الدواء قائمة بدون أي دعم. بينما تقول حنان عبد العزيز (مدرسة) : ألجأ للصيدلي أملا في تشخيص الداء وصرف الدواء المناسب كما يراه بسبب الحالة الاقتصادية فدخلي و زوجي المدرس لا يتحمل تكلفة الذهاب إلى طبيب بل أختصر في كثير من الأحيان قائمة الدواء التي يرى الصيدلي أنها مناسبة لحالاتي المرضية بهدف التوفير طبعا والاقتصاد في ظل غلاء المعيشة.