وسط حالة من الترقب من قبل عواصم العالم لاسعار النفط في السوق الدولية انطلاقاً من مقررات اجتماع اوبك الاخير في فيينا تسود حالة من المخاوف عربياً من التلويح الامريكي بالهيمنة على النفط العراقي بدرجة قد تقوض سلطة اوبك في التحكم في تحديد سعر عادل لبرميل النفط وفقاً لاليات العرض والطلب كما تشتعل المخاوف العربية من التلويح الاسرائيلي بالرغبة في الحصول على جزء من الكعكة العراقية بمد خط انابيب من البصرة إلى حيفا وهو الخط الذي توقف منذ عام 1948 مع اعلان الدولة العبرية مقابل تحركات امريكية مشبوهة لمنع امدادات النفط العراقية إلى سوريا. وحول التطلعات الامريكية لنفط الشرق الاوسط بشكل عام انجز خبير النفط العالمي والمصري الاصل د. حسين عبد الله دراسة متخصصة حول الاهداف الامريكية من نفط المنطقة حيث ارتفع الاستهلاك المحلي من النفط في الولاياتالمتحدة من نحو 17 مليون ب/ ي عام 1980 إلى نحو 19.6 ب/ي عام 2001 بينما انخفض الانتاج المحلي خلال الفترة من 11 مليون ب/ي إلى نحو 7.7 مليون ب/ي وبذلك اتسعت الفجوة في العجز خلال الفترة المذكورة من 36 بالمائة إلى 60 بالمائة من احتياجاتها البترولية وبذلك صارت قيمة فاتورة الواردات البترولية في الولاياتالمتحدة تتراوح خلال السنوات الاخيرة بين 80 و 100 مليار دولار سنوياً. وكمثال على مدى تأثير سعر البترول الخام على تلك الفاتورة فان انخفاض سعره خلال 1998 18 إلى 12 دولار ادى إلى انخفاض فاتورة الواردات الامريكية من البترول بنحو 25 مليار دولار، بينما انخفضت ايرادات الدول اعضاء اوبك بنحو 56 مليار دولار وما يقرب من تلك القيمة لباقي الدول المصدرة للبترول بما فيها مصر، وكلها تقريباً دول نامية تعتمد على ايرادات سلعة وحيدة وناضبة في تمويل احتياجاتها الجارية والتنموية. واذ يتوقع ان يرتفع استهلاك الولاياتالمتحدة من البترول بحلول عام 2020 إلى نحو 26 ب/ي بينما لا يتجاوز انتاجها المحلي نحو 9 ملايين ب/ي، فان اعتمادها على الاستيراد يمكن ان يرتفع من 12 مليون ب/ي إلى نحو 17 مليون ب/ي بحلول العام المذكور، وكنسبة مئوية إلى 65% من اجمالي احتياجاتها البترولية. وتقول الدراسة اذا تركت اسعار البترول لكي تحددها قوى السوق دون ضغط من جانب الدول الصناعية الغربية بقيادة الولاياتالمتحدة، فان تلك الاسعار يمكن ان ترتفع إلى مستويات شاهقة وترتفع معها فاتورة الواردات البترولية الامريكية إلى ما يقرب من نصف تريليون دولار سنوياً بالدولارات الجارية، وذلك بافتراض ارتفاع السعر بمعدل 5% سنوياً لمواجهة التضخم ولتعويض منتجي البترول عن تحميل حقولهم بمعدلات مرتفعة للانتاج استجابة للطلب العالمي المتزايد، وهو مبدأ سبق اقراره في اتفاقية طهران المبرمة مع الشركات العالمية عام 1971. ولكن الولاياتالمتحدة لا تقبل ان يمارس منتجو البترول حقهم المشروع في ادارة مرفق البترول الذي يكاد يكون مصدرهم الوحيد للحياة، وتثور ثورتها عندما يمارس هؤلاء المنتجون من الحرية في السوق قدراً لا يقارن بما تمارسه شركاتها العالمية، خاصة الشركات المنتجة للسلاح وللتكنولوجيا المتقدمة، والتي تمنح وتمنع من ينتفع بها، كما تحدد ما تراه محققاً لارباحاها الاحتكارية الباهظة، وانما تعتبر الولاياتالمتحدة كحق مشروع لها ان تفرض على الدول المصدرة للبترول انتاج القدر الذي يغرق السوق ويؤدي إلى خفض الاسعار وقد كانت تلك هي الرسالة التي حملها وزير الطاقة الامريكية ريتشارد سون اثناء الرحلة التي توجه فيها لدول الخليج ماراً بالقاهرة في فبراير 2000 منادياً بزيادة الانتاج وخفض اسعار البترول التي ادعى ان ارتفاعها يضر الاقتصاد العالمي ويساهم في زيادة حدة التضخم، وقد علق الكاتب على المحاضرة التي القاها الوزير الامريكي في القاهرة فأوضح له ان سعر الزيت الخام لا يمكن ان يكون سبباً فيما يدعيه، اولاً: لان سعر البترول خلال عقد التسعينيات لم يتجاوز 17 دولاراً في المتوسط وهو ما يعادل في قيمته الحقيقية نحو 4.80 دولار بدولارات 1973 التي ارتفع السعر خلالها إلى نحو 12 دولاراً للبرميل، وثانياً: لان المحتوى البترولي في المنتجات الصناعية فقد انخفض بحكم التقدم التكنولوجي إلى نصف ما كان عليه عام 1973 عندما صححت اسعار البترول لاول مرة في ظل حرب اكتوبر، ففي عام 1970 كان انتاج ما يعادل 1000 دولار من الناتج المحلي الاجمالي في مجموعة الدول الصناعية الغربية يتطلب استهلاك 1.43 برميل من البترول اما في عام 2000 فان هذا الاستهلاك لم يتجاوز 0.74 برميل فقط كذلك فقد انخفض ما يلزم استهلاكه من الطاقة بمختلف انواعها لانتاج ما قيمته 1000 دولار من الناتج المحلي الاجمالي في نفس المجموعة الصناعية الغربية من نحو 2.82 برميل بترول معادل إلى نحو 1.69 برميل بترول معادل خلال الفترة المذكورة. اما السبب الحقيقي لما تعانيه الاقتصادات الغربية فينبغي البحث عنه في مجالات اخرى كما تقول الدراسة بتلك الاقتصادات ومنبثقة عنها، واذا كان منها ما يتصل بالبترول فهو ناتج عن ارتفاع الضرائب التي تفرضها حكومات الدول الصناعية على المنتجات البترولية وتغذي بها خزائنها التي تصل في اوروبا لنحو 70 دولاراً للبرميل في المتوسط وتبلغ نحو 95 دولاراً مثل بريطانيا وهي دولة منتجة للبترول وتعرف كيف تقتنص القدر الاكبر من الريع البترولي، بينما تضن على الدول البترولية النامية بممارسة مثل هذا الحق. بل ان الدول الصناعية لا تسمح بانتقال الانخفاض الذي يطرأ على سعر البترول الخام - في صورته الاسمية او صورته الحقيقية - إلى المستهلك النهائي، ومن ذلك ان انهيار السعر من نحو 28 دولاراً عام 1985 إلى نحو 18 دولاراً عام 1987 لم تقابله الدول الاوروبية الا بزيادة ضرائبها البترولية من نحو 22.50 دولار للبرميل عام 1985 إلى نحو 30دولارا حيث استمرت تلك الضرائب في الارتفاع إلى ان بلغت المستوى الذي ذكرناه، ويأتي مشروع الاتحاد الاوروبي لفرض ضريبة الكربون بحجة حماية البيئة كعبء اضافي على هيكل الضرائب البترولية في الدول الاوروبية المستوردة للبترول. ولا تسعى الولاياتالمتحدة فقط لتأمين احتياجاتها البترولية وبأقل الاسعار، سواء بالضغط السياسي كما كان يحدث في الماضي ام بوسائل اشد عنفاً كما هو متوقع في اطار الحرب التي تشنها الولاياتالمتحدة ضد ما تطلق عليه الارهاب العالمي. بل ان الولاياتالمتحدة التي تعتبر مسئولة عن ربع ملوثات الغلاف الجوي بحكم استهلاكها لربع الطاقة العالمية، تتنصل من الالتزام الذي اقره العالم في اطار بروتوكول كيوتو الذي يلزم الدول الصناعية بخفض مبتعثاتها الكربونية المسببة لاحترار الغلاف الجوي والذي يهدد نوعية الحياة على كوكب الارض، وكما هو معروف فقد اعلن الرئيس بوش عقب توليه السلطة انه لن يقوم بالتصديق على البروتوكول وما زال يصر على ذلك. وتشير الدراسة الى انه بدأ بالفعل مؤخراً صراع محموم حول توزيع الانصبة في البترول العراقي عقب ازاحة صدام حسين اذ شاعت المخاوف حول نية الولاياتالمتحدة قصر هذا النشاط على شركاتها البترولية، ومما يؤكد ذلك ما اعلنته قيادات المعارضة العراقية المقيمة في الخارج من ان جميع العقود البترولية التي ابرمتها حكومة صدام سوف تخضع للمراجعة، كما ان تلك القيادات على اتصال مستمر بممثلي الخارجية الامريكية للتباحث حول مستقبل البترول والغاز العراقي بعد صدام حيث تتجه النية لتكوين مجموعة مشتركة من تلك القيادات ومن خبراء وزارة الطاقة الامريكية لعمل الترتيبات اللازمة في هذا المجال. وكرد فعل لتلك المخاوف اعلن جون براون رئيس الشركة البريطانية للبترول يوم 29 اكتوبر 2002 انه ينبغي اتاحة فرص متكافئة لجميع شركات البترول فيما يتعلق بالتعاقد على بترول العراق في حالة تغيير نظام الحكم في العراق، كذلك اخذت الشركات الروسية التي سبق لها التعاقد مع الحكومة العراقية تلهث وراء حكومتها لكي تسعى لدى الامريكان للاحتفاظ بحقوقها التعاقدية مؤكدة انها لن تمارس أي انشطة قبل ان يرفع الحظر رسمياً عن العراق، وهذه هي الورقة التي تلوح بها ادارة بوش للحصول على موافقة الروس في تفويض الولاياتالمتحدة لضرب العراق. وقال ان هذه هي عينة المخاطر التي تحدق بالبترول العربي في الوقت الحاضر، فما الذي يمكن ان تقوم به الدول العربية عموماً والمصدرة للبترول بصفة خاصة؟ ويجيب بأنه ينبغي ان تدرك الدول العربية حجم ما يحيط بها من مخاطر تهدد كيانها وتتجاوز في آثارها المدمرة حجم الخلافات العربية العربية ومن ثم فان خلاص تلك الدول يتجسد في وحدة الصف والالتحام في تضامن حقيقي، بينما تتيح الفرقة للعدو المتربص اقتناص الفرصة الشاردة سهلة وسائغة. وثانياً ينبغي ان ينبذ العرب سياسة الصمت وانتظار ما يحدث من جانب الغير لكي يقابلوه بردود افعال يغلب ان تجهض في مواجهة الفعل المخطط والذي يأخذ في اعتباره مقدماً ما سوف يلجأ اليه الجانب العربي ولذلك ينبغي الاخذ بسياسة المبادرة والتأثير الفعال في مسار الاحداث لكي تبلغ المنتهى الحميد قبل ان تصل الامور إلى نقطة المواجهة الحادة. وثالث ما ينبغي السعي لتحقيقه ان تقوم الدول البترولية باستخدام اوراق الضغط التي تملكها، وفي مقدمتها علاقاتها المتميزة بشركات البترول العالمية والتي تتمتع بدورها بعلاقات وثيقة مع الادارة الامريكية، وعلى تلك الدول ربط تعاقداتها ومعاملاتها مع تلك الشركات بمقدار ما يمكن ان تقدمه من عون في سبيل تحقيق سياسة غربية متوازنة تعترف للجانب العربي بحقوقه المشروعة وتتعامل معه على اساس من الندية والاحترام المتبادل. ورابع ما يمكن ان تفعله الدول العربية بذل اقصى جهد ممكن لوضع صفة الارهاب بالنسبة للعرب في حجمها الطبيعي، والعمل على ازالتها عن اية دولة عربية تلتصق بها لمجرد ان عدداً من رعاياها سلكوا مسلكاً يعتبر في نظر الغرب ارهابياً، فهذه الصفة ان صحت لا يصح ان تتجاوز الافراد لكي تطلق على الدولة وبصفة خاصة ينبغي الحرص على عدم ربطها بأية انشطة بترولية والتي لا تخضع لغير العلاقات التجارية الحرة بعيداً عن الضغوط السياسية والتدخلات الحكومية من جانب الدول المستوردة للبترول.