الهندسة إحدى أهم الوسائل التي ستحدد مستوى معيشتنا ومعيار حياتنا وملامح مستقبلنا، ولذلك يجب أن لا ندخر جهداً في سبيل تفعيلها وتطويرها ودفعها للأمام لانها ليست علماً نظرياً يتصف بالجمود بل هي علم حياتي يتطور ويتغير باستمرار، وإذا توافرت لدينا القناعات الكافية بذلك فإن المهندس السعودي بشكل خاص والعمل الهندسي بشكل عام سيكونان معاً وجهين لعملة وطنية واحدة نستطيع استثمارها وتوظيفها في تحقيق أهدافنا الوطنية، وعندها ستكون المؤتمرات الهندسية البعيدة عن الشكل التقليدي من أهم الوسائل الفعالة التي تسهم في صنع أجيال هندسية عالية الكفاءة من خلال تطوير وتحديث الجوانب الهندسية النظرية في قاعات الجامعات وربطها بالواقع العملي، وستقوم في نفس الوقت بتعزيز نواحي الممارسة المهنية وتطويرها وتنظيمها وإعطائها عمقاً علمياً وأكاديمياً سيرفع من كفاءتها ويزيد من استقرارها وثباتها في مواجهة التحديات المقبلة. واقتصرت نتائج وثمرات المؤتمرات الهندسية السعودية على تقديم عدد كبير من الابحاث القيمة التي مازالت تبحث عمن يتبناها ويستفيد منها، أيضا كان لهذه المؤتمرات نتائج إيجابية عديدة يجب أن لا نهضمها فقد ساهمت هذه المؤتمرات في اعتماد الهيئة السعودية للمهندسين من خلال دعمها المتواصل لهذه الهيئة وكذلك أسهمت في تأسيس اللجان الفنية الخاصة بالمقاولين في الغرف التجارية الصناعية، كما أنها ساهمت في إيجاد التنسيق والتكامل بين الكليات الهندسية في الجامعات السعودية وتطوير وتحديث مناهجها وبرامجها الأكاديمية وأيدت ممارسة اعضاء هيئة التدريس في الجامعات للمهنة خارج حرم الجامعة وهذا ما تحقق بالفعل، كما أن هذه المؤتمرات تعد فرصة مواتية للالتقاء والحوار بين مختلف المهندسين من ممارسين وأكاديميين وتسهم في تبادل الخبرات والتجارب في مختلف المجالات الهندسية، ولعل أبرز إيجابيات هذه المؤتمرات ما يتم عرضه لآخر المستجدات والتطورات في حقول المهنة الهندسية وهو ما يحتاج إليه الأكاديمي والممارس على حد سواء. نتساءل هنا لماذا تبقى الابحاث التي تقدم في كل مؤتمر حبيسة الارواق والسجلات القابعة فوق أرفف المكتبات، قد تكون المشكلة في ضعف الدعاية والتسويق لهذه الابحاث، وقد تكون المشكلة في أن غالبية تلك الأبحاث (نظرية) وليست تطبيقية وهذه إشكالية تلامس صلب هذه المؤتمرات ، يجب أن نعيد النظر في نوعية الأبحاث المقدمة لهذه المؤتمرات كما يجب أن تقوم الجهة المنظمة لكل مؤتمر بالتسويق للابحاث التي تخرج بها المؤتمرات في مختلف القطاعات الصناعية والحكومية والخاصة وقبل ذلك يجب أن تكون (مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية) حاضرة بثقل أكبر تستقطب عددا من هذه الأبحاث وتتبناها وتدعمها. عندما نقول إن المؤتمرات الهندسية السعودية ليست بالفاعلية المطلوبة فنحن نقول ذلك لأننا نتوقع من هذه المؤتمرات أكثر من مجرد إصدار بعض التوصيات النظرية (المتفق على أهميتها) والتي لم يكتب لها التطبيق منذ سنوات طويلة، هناك قائمة طويلة من التوصيات التي خرجت بها المؤتمرات الهندسية السعودية السابقة ولم يتم تطبيقها حتى اليوم باستثناء بعض الجهود البسيطة التي لا تكاد تذكر، وإذا كانت هذه التوصيات المعلقة أتت من مؤتمرات سابقة عفى عليها الزمن فإن القضية تتجاوز عدم تطبيقها رغم أهميتها وستكون المشكلة الحقيقية فيما هو قادم إذ إن هذه القائمة من التوصيات غير المطبقة قابلة للاستطالة والتمدد من خلال طرح توصيات إضافية مماثلة من المتوقع أن تتمخض عنها المؤتمرات الهندسية السعودية القادمة ما لم يكن هناك تحرك سريع لتفعيل وتطوير هذه المؤتمرات وتغيير صورتها التقليدية. ان الآمال المعقودة على المؤتمرات الهندسية السعودية كثيرة ومتعددة خاصة وأن واقع ممارسة العمل الهندسي لدينا واقع صعب يتسم بالعشوائية وعدم التنظيم كما أم مهندسينا لا يحظون بما يستحقون من العناية والتأهيل والتدريب، وهنا يجب أن تكون المؤتمرات الهندسية السعودية أكثر فاعلية وأن تتخلص من شكلها التقليدي ونمطيتها المتكررة طيلة عقدين من الزمان لكي تكون اداة فعالة لرأب التصدعات واعادة البناء وترتيب الأوراق في سوق المهنة الهندسية، كما يجب أن تسعى هذه المؤتمرات لخلق بيئة ملائمة يمكن من خلالها تضييق الهوة بين الجانب العلمي والواقع العملي وبناء شراكة حقيقية بين الممارسين والأكاديميين يسودها التعاون المشترك والثقة المتبادلة. لطالما عانينا تغليب الجوانب النظرية والنواحي الأكاديمية على جوانب الممارسة والتطبيق في المؤتمرات الهندسية السعودية، وقبل اسابيع قلائل صدرت موافقة مجلس الوزراء بإقرار واعتماد الهيئة السعودية للمهندسين، وولادة هذه الهيئة تجعلنا نتفاءل بمستقبل أفضل للمؤتمرات الهندسية السعودية، وهذا المستقبل الأفضل يمكن أن يتحقق من خلال الموازنة بين الجوانب العلمية والعملية وبناء ثقة متبادلة بين الممارسين والأكاديميين.