في اليوم العالمي للغة العربية، تحظى لغة الضاد باهتمام واسع بوصفها إحدى أكثر لغات العالم ثراءً وقدرة على التعبير، لما تتميز به من عمق لغوي وحضاري متجذر عبر القرون. وأسهم هذا الثراء في ترسيخ مكانة العربية بوصفها وعاءً للمعرفة والعلوم والفنون، ولغة قادرة على مواكبة التحولات المعاصرة دون أن تفقد أصالتها. وفي إطار هذا الاهتمام، سلطت عدد من الدراسات العلمية الضوء على التأثير المعرفي للغة العربية على الدماغ البشري وآليات معالجته اللغوية. وإحدى هذه الدراسات ما نُشر قبل نحو عامين في مجلة NeuroImage، وقادها الباحث في معهد ماكس بلانك لعلوم الإدراك البشري والدماغ في ألمانيا، ألفريد أنواندر، والتي كشفت فروقًا لافتة في طريقة عمل أدمغة المتحدثين بالعربية مقارنة بالمتحدثين باللغة الألمانية. ووفقًا لنتائج الدراسة، فإن أدمغة المتحدثين باللغة العربية تعمل بطريقة أكثر تداخلًا من حيث الاتصال العصبي. وبالرغم من ن اللغة الألمانية تُعد معقدة نحويًا، إذ يعتمد فهم الجملة بدرجة أكبر على الأشكال النحوية للكلمات، وهو ما يرتبط بنشاط مناطق المعالجة النحوية في الأجزاء الأمامية من النصف الأيسر للدماغ. إلا أن أنواندر وصف اللغة العربية بأنها لغة معقدة لغويًا، مع ثبات نسبي في ترتيب كلمات الجملة، إلا أن معاني الكلمات نفسها تكون أكثر صعوبة في فك تشفيرها، ما يستدعي تفاعلًا أكبر بين نصفي الدماغ الأيمن والأيسر. ولاحظ الفريق البحثي ارتفاع مستوى الاتصال العصبي بين نصفي الدماغ لدى المتحدثين باللغة العربية مقارنة بالناطقين بالألمانية. وخلصت الدراسة إلى أن فهم اللغة العربية يتطلب درجة أعلى من الإنصات والتركيز بين المتحدث والمستمع، ما يؤدي إلى تفعيل متزامن ومكثف لنصفي الدماغ، ويعكس نمط معالجة لغوية أكثر تعقيدًا لدى المتحدثين الأصليين بالعربية. وفي الختام، تبقى اللغة العربية أوسع من أن تُختزل قيمتها في سطور، إذ ارتبطت بوجدان الأمة الإسلامية وثقافتها عبر التاريخ، ويكفيها فخرًا أنها لغة القرآن الكريم. ويختصر أمير الشعراء أحمد شوقي هذه المكانة في أبياته الشهيرة حين قال: إِنَّ الَّذي مَلَأَ اللُغاتِ مَحاسِناً جَعَلَ الجَمالَ وَسِرَّهُ في الضّادِ