اليوم الوطني ليس رقمًا في تقويم، ولا مجرد مناسبة عابرة تمر ثم تُطوى. إنه لحظة وعي كبرى، نستعيد فيها ذاكرة المكان والزمان، ونستحضر فيها رحلة الإنسان السعودي وهو يصنع تاريخه بعرق الجباه، وبإيمان لا يعرف الانكسار. في هذا اليوم، لا نحتفل فقط بذكرى التوحيد التي جمعت الشتات تحت راية خضراء تحمل كلمة التوحيد، بل نحتفل أيضًا بمعنى أعمق: بمعنى أن يكون لنا وطن واحد، قلب واحد، أرض واحدة، وراية ترفرف في السماء تردد: الله أكبر. الوطن معنى يتجاوز الحدود الوطن ليس جغرافيا منبسطة بين البحر والصحراء، وليس حدودًا ترسمها الخرائط. الوطن هو ذلك المعنى العميق الذي يسكن في أعماق الروح. هو البيت الأول، والظل الذي يأوينا، والذاكرة التي لا تغادرنا، مهما ابتعدنا. هو الأمان حين تضطرب الدنيا، وهو الحضن الذي لا يخون حين تتقلب الظروف. الوطن هو تلك اللحظة التي ترى فيها الطفل يرفع العلم بيدين صغيرتين ويهتف «يحيا الوطن»، فتشعر أن الأرض تستعيد شبابها في صوته. وهو دمعة الأب الذي يتذكر كيف كانت الصحراء قاسية ثم تحولت بفضل الله وسواعد الرجال إلى حضارة تشهدها الدنيا. من التوحيد إلى النهضة حين وحّد الملك عبدالعزيز - رحمه الله - هذا الكيان، لم يكن يؤسس دولة فحسب، بل كان يعيد للإنسان السعودي مكانته في التاريخ. كان يزرع بذرة أمة، لم تنمُ على التراب وحده، بل نمت على العقيدة والإيمان والوفاء. ومنذ ذلك اليوم، تحولت المملكة إلى وطن يكتب فصوله باللون الأخضر، يثبت أن الانتماء لله ثم للقيادة، والوطن قادر على تحويل المستحيل إلى واقع. اليوم الوطني: تجديد عهد اليوم الوطني ليس وقوفًا عند الماضي فحسب، بل هو تجديد عهد مع الحاضر والمستقبل. هو أن نقول لوطننا: نحن أوفياء لك، كما كنت وفيًّا لنا. هو أن نحمل المسؤولية جيلاً بعد جيل، ونصون الأرض والهوية كما صانها من قبلنا. في كل يوم وطني، نحن لا نردد «حبك يا وطن» بالكلمات فقط، بل نرددها بالفعل: بالعمل، بالعلم، بالإنجاز، وبالإخلاص في كل موقع نقف فيه. القلب الأخضر العلم السعودي ليس مجرد قطعة قماش، إنه قلب أخضر يخفق بكلمة التوحيد، ويعلو بصوت «الله أكبر» ليقول للعالم: هنا وطن لا يعرف الانكسار. هذا اللون الأخضر هو رمز حياة متجددة، يرويها أبناء الوطن بعرقهم، ويحرسونها بدمائهم، ويبنونها بعقولهم. إنه ليس لونًا عابرًا، بل هو رسالة أبدية: «إن هذه الأرض محروسة بعين الله، وإنها وُلدت لتبقى». الخلاصة: وطن بحجم الروح اليوم الوطني هو موعد مع الذات قبل أن يكون موعدًا مع الآخر. هو لحظة نتأمل فيها عُمق الانتماء الذي لا يشيخ، ونسأل أنفسنا: ماذا قدمنا لوطن منحنا كل شيء؟ الوطن ليس بحاجة لشعاراتنا بقدر حاجته إلى وفائنا. وكل وفاء صغير، هو لبنة في بناء كبير. فلتكن أعيادنا الوطنية ليست فقط للفرح، بل للتأمل والالتزام. ولنجعل من كل يوم وطني عهدًا جديدًا، نردد فيه مع رايتنا: الله أكبر... لا إله إلا الله... محمد رسول الله.