الكتابة عن الماضي رحلة جميلة لكنها شاقة، يتطلب عُبُورها ثقافة، مهارة، ذاكرة جيدة، تدوين مشافهات، وتسجيل لقاءات مع كبار المواطنين ممن عاصروا أعواماً خلت. وجميعها عوامل نجاح أمسك بمفاتيحها الكاتب الأديب عبدالرحمن بن سعيد أبو ملحة، تجلت في كتابه الجديد «صفحات من ماضىٍ جميل»، ليُضاف إلى سلسلة مزهريات منتقاة من حدائق حكايات مدينة البهاء، شاعرة المدائن والقرى، يفوح منها عبق الحنين، وقع الخطوات، إشراقة الأماكن. وجسدت موضوعات الكتاب علاقات الود المتجذرة بين المؤلف وأبها، التي عاش فيها ربيع عمره، ويحرص بين الحين والآخر على زيارتها، ليجدد الذكريات وينسج حوارات، ويطرح أسئلة يستمد إجاباتها من أسرار محيطها الطبيعي بكل المعاني الأصيلة من عادات، ومواقف، وأحداث، يغلب عليها الذكاء، العفوية، الإبداع، الفكاهة، سرعة البديهة، الحكمة والإيثار. الكتاب الذي جاء في مائة وعشرين صفحة حافل بحكايات جديدة يُكشف عنها لأول مرة، ومنها عرعرعسير في حماية الأمير، بين مدينتين، الصفقة الرابحة، أحمد مطاعن، ثوب العيد، عقبة شعار، عبدالمجيد العسكري، وتنة أبوغزالة، أبو هندل الجائحة، أول يوم دراسي، الشوربيت وغيرها من الحكايات. وقال أبو ملحة في كلمة تصدرت الكتاب «إنها صفحات أريد بها الدرس والعبر من خلال تجارب عشتها، وشخصيات عايشتها، وأعمال كُلفت بها، وبيئة احتضنتني صغيراً، وغُربة صقلتني كبيراً»، ولازال الكتاب الذي أصدره قبل عشرة أعوام بعنوان «أقلب ويهك» حاضراً في ذاكرة المدينة بصورة ملفتة ربما لقربه من حقبة زمنية ارتبطت بمجتمع توهج بأعراف أصيلة، ومؤثرة. الكتاب الجديد زاخر بحكايات في غاية الإبداع، وهي جديرة أن يتم البناء على واحدة منها سينمائياً أو تلفزيونياً، وقد أسعدني ما سمعته من مخرجنا الكبير الفنان فطيس بن بقنة خلال لقائي معه قبل شهر في أبها، حين أكد عزمه على اختيار بعض القصص والحكايات عن المنطقة ومن ثم تحويلها إلى أعمال سينمائية ببصمة سعودية مميزة، ولعله يجد في هذا الكتاب ما يبحث عنه، وهو قادر بحول الله على تحقيق ذلك، متى، ما بادر القطاع الخاص بدعم مثل هذه الأفكار والأعمال، التي تمثل جزءاً مهماً من القوة الناعمة.
