تواجه بعض من الشركات العائلية خطر التفكك والإخفاق بعد انتقال ملكيتها وإدارتها من المؤسسين إلى مَن يليهم من أجيال. والشركات العائلية هي الشركات التي يملكها ويديرها فرد أو مجموعة أفراد من عائلة واحدة أو بالاشتراك مع فرد أو أفراد من عائلات أخرى وتكون مقصورة عليهم. تبدأ هذه الشركات صغيرة ثم يتطور بعضها مع الوقت إلى شركات كبرى ناجحة، وقد تتحول إلى شركات عامة تتداول أسهمها في الأسواق المالية بيد أن بعضها الآخر يعاني مشكلات كثيرة تعوق تطورها واستمرارها. ويصل عدد الشركات العائلية في المملكة العربية السعودية إلى عشرات الآلاف ولها حصة كبرى من حجم النشاط التجاري والصناعي والزراعي والخدمي، واضطلعت بدور إيجابي مؤثر في النهضة الاقتصادية. وقد اتّبع بعضها الطريق السليم للنمو و التطور وضمان الاستمرار وذلك بإعادة هيكلتها وتحويلها إلى شركات، وبعضها إلى شركات عامة يشارك في ملكيتها عدد كبير من المواطنين، وتدار بطرق حديثة وتطبق أنظمة حوكمة شاملة حتى أصبحت قصص نجاح تروى. وعند استعراض الشركات المدرجة في السوق المالية السعودية سنجد من ضمنها شركات عائلية عديدة يشارك المواطنون في ملكيتها وتنمو وتحقق أرباحاً جيدة لمساهميها، وبعضها يحمل أسماء العائلات المؤسسة لها وبعضها الآخر لها أسماء تجارية ولكنها في الأصل شركات عائلية أصبحت شركات مزدهرة ورابحة ومصدر اعتزاز لملاكها والمساهمين فيها. ما ذكرته أعلاه كان أمثلة لشركات عائلية شقت طريقها ونجحت، ولكن الواقع المشاهد ليس كله قصص نجاح. هناك عديد من هذه الشركات تعيش وضعاً يثير القلق وتواجه تحديات جسيمة تزداد مع تولي الجيل الثاني والثالث من ملاك الشركة زمام أمورها، وعندما يبدأ التباين في الصلاحيات والمسؤوليات يتسع الخلاف وتنشأ بيئة غير صحية في الشركة تؤثر في استمرارها وتزداد المخاطر إذا لم يبادر ملاكها إلى اتخاذ خطوات جادة نحو حوكمة الشركة وإعادة هيكلتها. ويظهر الخلاف، مثل ما هو مشاهد في الواقع، بين الشركاء بعد ترك الجيل المؤسس الملكية والإدارة لمن يتلوهم من أجيال بسب الأنانية واختلاف وجهات النظر؛ فالأجيال التالية للمؤسسين نشأت في بيئة تختلف وتحت تأثير عوامل ثقافية واجتماعية أدّت إلى تباين في الأولويات. يستثنى من ذلك بعض الشركات العائلية التي َتسلّم أمورها جيل جديد من الأبناء المتعلمين في أرقى الجامعات المتسلحين بفكر إداري حديث، مما أدّى إلى تنظيمها ودفعها للنمو والتطور. وتدرك الجهات المعنية بالشركات والمؤسسات المعنية بتنظيم قطاع الأعمال ودعمه في المملكة، بخاصة الغرف التجارية الصناعية، مدى المخاطر التي تتعرض لها الشركات العائلية، وهناك جهود متفرقة لتوعيتها ومساعدتها وتوضيح الأساليب والإجراءات التي تمكنها من البقاء والاستمرار. ولكن المسؤولية الأولى تبقى على عاتق الملاك للخروج من المشكلات وتفادي تفكك الشركات وانهيارها لا سمح الله، أو حتى ضعفها وعدم قدرتها على المنافسة والتوسع. فعلى الملاك أن يضعوا مصلحة الشركة أولاً قبل مصالحهم الضيقة ويبعدوا عنهم الأنانية ويتخذوا الخطوات الضرورية واللازمة نحو إعادة هيكلة الشركة. إن من مصلحة الشركات وبالتالي الشركاء في الشركات العائلية إعادة هيكلة هذه الشركات إدارياً ومالياً وقانونياً ووضع وتطبيق أنظمة حوكمة تنظّم العلاقة بين الملاك والإدارة وتؤدي إلى تجنب التداخل بين صلاحيات ومسؤوليات الملاك وصلاحيات ومسؤوليات الإدارة، وهو أمر ليس بالهين ويحتاج إلى توافق الشركاء وتنازلات منهم .وإن من أهم خطوات إعادة الهيكلة التحول إلى شركات مساهمة وتوسيع دائرة الشركاء وتبني الأنظمة والإجراءات التي تحدد العلاقة بين ملاك الشركة جميعاً وإدارتها التنفيذية. نلاحظ عند مناقشة موضوع الشركات العائلية التركيز- معظم الوقت- على تحولها إلى شركات مساهمة عامة بإدراجها في السوق المالية. ويُصوَّر هذا الإجراء على أنه الحل المثالي لتخليص الشركات العائلية من مشكلاتها. ولا نختلف مع ذلك، ولكنه ليس الحل الوحيد؛ فمن الممكن تحويلها إلى شركات مساهمة مغلقة تلتزم بأنظمة حوكمة شاملة وملائمة وقد تباع حصص منها لعدد محدود من المستثمرين فيزداد بذلك عدد الملاك وتدخل أفكار وأساليب جديدة في الإدارة مع الملاك الإضافيين الجدد. أيضاً من الممكن أن تدمج الشركات العائلية مع شركات مساهمة أخرى، وبذلك يدخل الملاك ضمن الشركاء في الشركات القائمة. والخلاصة أن في المملكة العربية السعودية عدداً كبيراً جداً من الشركات العائلية بعضها ناجح وبعضها الآخر يتعرض لمصاعب جمة نتيجة لاختلاف الشركاء. ولمعالجة وضع الأخيرة، من الضروري أن تعاد هيكلتها وتوسَّع دائرة المساهمين فيها ومن الأفضل إدراجها في السوق المالية بما يفرضه ذلك من الالتزام بمبادئ الإفصاح والشفافية والحوكمة السليمة من ضمان استمرارها ونموها وتجنب ما ينشب بين ملاكها من المشكلات التي تنظر السلطات القضائية في بعضها الآن.