لا نستطيع سوى الاعتراف بأن مصر جديدة تولد..! ومهما اختلفت الميول والانتماءات فإن الشعب المصري العظيم قد وضع كلمته أمام العالم، واتخذ قرار مستقبله، وسيكون غداً الشعب كله شريكاً في المكاسب التي نتمناها جميعا، وشريكاً في الخسائر التي ندعو الله أن لا تقع، فقد خسر الناس هناك طيلة ثلاثة عقود، لا العام الأخير فقط، كثيرا من الدم والكرامة والمال والمعنى. نقول إنها قد تكون مصر الحرة المتجددة والمتنوعة، مصر النور والتقدم والتنمية الحقة، التي ننشدها، لكنها قد تكون أيضاً مصر التعصب والتشدد والتطرف الديني والسياسي، مصر الكابحة للحريات والعقل والمستقبل، وهو ما يخيف الجميع. لكن ما يحمي هذه التجربة الجديدة في الحكم عناصر كثيرة: أولها: أن المواطن المصري بكل فئاته وطبقاته قد كسر طوق الهزيمة، وخرج بدمه وأسماله الرثة وحتى بياقاته الفاخرة إلى ميدان التحرير وشوارع المدن الكبرى ليصنع مستقبلاً جديداً لأبنائه. لقد ضحى وهو قادر على معاودة تضحياته حين يرى عربة العدل وقد مالت عن طريقها المستقيم. وثانيها: أن القوى السياسية الأخرى سينتقل جلها إلى المعارضة حيث ستكون رقيبة على أفعال الحكومة وخططها، وهي معارضة لن تكون مسلوبة ومهددة في وجودها ودورها كما كان يحدث حين كان الرئيس الأوحد يحصد الأصوات بزر من القصر الجمهوري. القوى السياسية المناوئة لحزب العدالة والكرامة انطلقت من عقالها وهي قد أعلنت وجودها في الشارع، وهي شريكة حقيقية في صناعة الثورة والمضيّ بها نحو بر الأمان، لذا لن يسهل خداعها أو تمرير أية مشروعات سياسية أو اقتصادية عليها. وثالثاُ: أن ما يحدث داخل شوارع وأزقة الوطن ونجوعه هو شأن محلي وعالمي في الآن ذاته. لا يستطيع أي حاكم أن يكبل الأفواه والأيدي وأن يسيطر على مقدرات وطن ثري كمصر دون أن ينجو من حكومة (الميديا) الجديدة التي تراقب من كثب أكثر مما تستطيعه أعين المواطنين أحياناً. لقد بشرت هذه الميديا بالتغيرات التي تحدث داخل المجتمع وساهمت في صناعة وعي جديد أسقط تلك الرموز الفاسدة، وإن لم تفلح بعد في استكمال عصر تنويري جديد يساهم في تجديد الأمة كلها. ستبقى ممارسة السلطة المصرية الجديدة لدورها هي الفيصل فيما سيحدث غداً. أمامها جبل من الملفات والقضايا الشائكة الضخمة التي تمس حياة كل مصري، فإذا ما بدأت رحلتها بالتدخل في مجال حريات الرأي والإعلام وأشكال الفنون المتعددة مصادرة أو رقابة أو تشديداً، وصادرت حقوق شركاء الوطن، وركبت موجة الأسلمة من المنهج الدراسي مروراً بالخطاب الاقتصادي والسياسي وانتهاء بالعلوم ومصادر المعرفة وتداولها فإن المركب قد لا يمضي عبر عباب النيل بلا رياح أو عواصف ..! لا نستطيع سوى الاحتفال بمصر الجديدة، وبشعبها الذي اختار أخيراً من يأتمنه على الغد. لنتفاءل بإرادة شعب أرض الكنانة فقد فاضت كأسه من الطغيان.