أثار مشهد ومنظر الحجيج الملبين لحظة رمي جمرة العقبة الكبرى دمعات الحاجة الهندية عائشة كشيري ذات ال 80 عاماً، لتواكبه متمتمة بعبارة (الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله)، قبل شروعها في أداء نسك رمي جمرة العقبة الكبرى بحجارة جمعتها من مشعر مزدلفة، وادخرت جزءاً لباقي الجمرات وجزءاً آخر للاحتفاظ به كذكرى عند عودتها لبلادها. رحلة الحاجة عائشة من الهند إلى المشاعر المقدسة مرت بجملة مواقف إنسانية التقت فيها أفراح وأتراح وانكسارات وأمنيات وإحباطات، غلبها وتصدرها أمل وصبر أحيتهما وأنعشتهما دعوات خالصة لله سبحانه وتعالى معظمها كانت بإلحاحٍ وتضرعٍ خلال سجود هذه المرأة المسنة، بأن يتحقق حلم الطواف ببيت الله العتيق والارتشاف من ماء زمزم الطاهر والوقوف بعرفة ورمي الجمرات. بداية الحكاية جاءت بعد إنهاء عائشة سلسلة إجراءات مكنتها من صعود إحدى الطائرات الحاملة على متنها حجاجاً، متجهة بهم صوب مدرج مطار الملك عبدالعزيز في جدة، وهي بين هؤلاء الحجيج يملؤها الفرح لرؤية الكعبة المشرفة والمسجد الحرام، الذي طالما حداها الشوق للصلاة فيه، وبرفقتها ابنها محمد بهادو، الذي يقف خلف والدته بعد أن أنهى نسك رمي جمرة العقبة، وبانتظار فراغها من أداء ذات النسك. محمد الذي يجيد العربية وصف أمه خلال انشغالها برمي الجمرات ب»الأنثى العظيمة»، التي تولت رعاية ثلاثة أبناء وحدها، منذ أن كانوا أطفالاً، وحتى بلوغهم أشدهم، مستذكراً مداعبتها لهم في صغرهم وعراكهم البريء بعد قولها «مَنْ يستطيع الفوز منكم عندما تكبرون، بأخذي إلى الحرم المكي الشريف والمشاعر المقدسة في مكةالمكرمة حاجةً ملبية». وتابع محمد «والدتي كانت حريصة على تعليمي وإخوتي اللغة العربية، كي نقرأ القرآن ونتدبر آياته، وحتى تنعكس تعاليمه العظيمة على أخلاقنا وتعاملاتنا، مؤكداً أنها بذلت في سبيل تحقيق ذلك الهدف كثيراً من التضحيات، فكان النتاج تحدثي العربية بطلاقة، وحفظي ولله الحمد لعشرين جزءاً من القرآن. ونوه محمد بالمشاريع العملاقة وخطط التفويج المحكمة والدقيقة، التي سهلت على الحجيج حجهم، مشيراً إلى المساعدة التي تلقاها في مختلف المواقع بالمشاعر المقدسة من رجال الأمن، قائلاً «لولاهم لما تمكنت من البر بأمي، لاسيما مع معاناتي من مرض الأنيميا المنجلية المزمن»، مبيناً أنه طوال رحلته وأمه الإيمانية كان يتوجه للمسعفين الموجودين في كل مكان بالمشاعر المقدسة، للكشف عن حالته الصحية والاطمئنان على استقرارها من وقتٍ لآخر، مؤكداً أن عنوانهم الابتسامة طوال الوقت. وثمَّن الحاج محمد بهادو ووالدته للمملكة هذه الأعمال الجليلة الصعب حصرها، لافتاً النظر إلى أن حكومة المملكة لا تنتظر مردوداً من وراء هذه الأعمال الجبارة والمباركة، التي تقدمها للإسلام والمسلمين هنا وفي كل مكان بالعالم، سوى الدعاء الذي بات واجباً على كل مسلم، وحق لهذه البلاد الطاهرة وجب أن نؤديه ونجزل به، فهي تستحق بلا شك، سائلاً الله العلي القدير أن يبارك في شعب المملكة الطيب وأبنائها الأبرار، وأن يحميها جل جلاله ويديم عليها نعمتي الأمن والأمان في كل الأزمان.