منذ 4 أسابيع؛ يُوزِّع فرانك ديتريش الماء يومياً على اللاجئين في مركز تسجيل طلبات اللجوء في برلين. ويتوافد آلاف الألمان على المركز مدفوعين بإرادة فعل الخير وأحياناً بنوع من الذنب. واعتبر ديتريش هذا الخيار أفضل من البقاء في المنزل مُسمَّراً أمام التلفاز، مشيراً إلى أهمية مساعدة الموظفين الإداريين العاجزين وحدهم عن تسجيل طلبات اللجوء. و«الألمان حساسون جداً» كما يقول يورغ برون أمام مدخل مركز التسجيل حيث يتطوع منذ يومين. ويلاحظ برون أن «الآخرين ينظرون إلينا بصفتنا عقلانيين ونتسم بالبرود، لكننا في الحقيقة حساسون جداً ولا نتحمل رؤية أشخاص يتعذبون بهذا الشكل». واستقبلت ألمانيا 450 ألف لاجئ منذ بداية العام الجاري مع توقعات بارتفاع عددهم إلى رقم قياسي يبلغ 800 ألف حتى نهاية العام. وأكد نائب المستشارة الألمانية، سيغمار غبريال، أن «لدينا قدرة على استقبال 500 ألف شخص سنوياً لبضع سنوات». وإضافةً إلى الحراك السياسي في برلين من أجل قضية اللاجئين؛ أظهر المجتمع المدني تعاطفاً معهم وقام بالتعبئة عبر شبكات التواصل ووسائل الإعلام. وسجلت مدينة فرانكفورت «غرب ألمانيا» مشهداً مؤثراً السبت الماضي عندما بادر مئات من سكانها إلى استقبال اللاجئين بحفاوة في محطة القطار، فوزَّعوا عليهم المياه والملابس والألعاب للأطفال. وقبل أيام؛ طلبت شرطة ميونيخ في الجنوب من السكان التوقف عن إرسال الهِبَات نظراً إلى حجم المساهمات الكبير الذي فاق طاقتها. واقترحت جمعية «أهلاً باللاجئين» على الألمان إيواء لاجئين في منازلهم. ووفقاً لاستطلاع أجرته مؤسسة «يوغوف»؛ فإن ألمانيّاً من أصل كل خمسة سبق أن قدم مساعدة إلى اللاجئين بشكل أو بآخر. ويثير هذا التضامن الإعجاب في بلدٍ ما زالت أغلبية الرأي العام فيه ترفض تقليص ديون اليونان. وتُطرَح تفسيرات تربط ذلك بالعودة إلى الماضي. وتحدَّث المؤرخ، أرنولف بارينغ، عن شعور تاريخي لدى الألمان بالذنب، قائلاً إن «أعمالنا الخيِّرة اليوم تُفسَّر بالجرائم التي ارتكبناها خاصةً في الفترة النازية». وتبدو المبادرات السخية المُوجَّهة نحو المهاجرين مناقضةً لأعمال النازيين الجدد العنصرية. وتورَّط النازيون الجدد في أعمال إحراق مساكن طالبي لجوء وإهانتهم. وتتكاثر هذه التجاوزات بالرغم من التنديد بها عبر شبكات التواصل الاجتماعي. وأدانت المستشارة، أنغيلا ميركل، نفسها هذه الأعمال «الشنيعة» ضد الأجانب. ويلاحظ الفنان البرليني، أنديرل كاميرماير، الذي يتاخم مشغله ملجأً مؤقتاً للاجئين، توافُد سيارات مليئة بالأغراض إلى الملجأ كل مساء أو في نهاية الأسبوع. واعتبر هذه التعبئة مرتبطةً بالذاكرة الوطنية «فكل ألماني تقريباً لديه قريب كان في يوم ما لاجئاً أو مهاجراً». ووصفت حائزة جائزة نوبل للآداب، هيرتا مولر، التعاطف بفعل إنساني، وقالت «لدينا نحن الألمان مسؤولية بالنسبة إلى الماضي.. لكن بغض النظر عن ذلك، فإن التعاطف فعل إنساني». وذكَّرت الروائية الرومانية الأصل في مقالٍ نشرته صحيفة «بيلد» بأنها كانت لاجئة قادمة من رومانيا الشيوعية. ولاحقاً؛ شَهِدَت ألمانيا وفود «العمال المدعوين» الأتراك أو الإيطاليين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وسادت الفوضى مساعي دمجهم. ثم أتى الفارون من الاتحاد السوفييتي وجحيم الحروب في تشيكوسلوفاكيا السابقة وديكتاتوريات أخرى. ويؤكد الفنان كاميرماير أن «كثيراً من الواهبين الذين يعبرون أمام مشغله من أصول أجنبية». وقرب مركز إسكان مؤقت في برلين؛ يقف مهندس شاب يجادل بحماس المسؤول عن المبنى لإقناعه بقبول لاجئين اثنين برفقته. وأوضح المهندس الذي رفض الكشف عن اسمه «وُلِدتُ هنا، لكنَّ والديَّ جاءا من إيران وأشعر أن عليّ المساعدة».