نعم، أمراض الشرق الأوسط المزمنة تجعلنا بعيدين عن ممارسة دبلوماسية أكثر نشاطاً حول العالم، لا سيما في المناطق التي يبدو أنها تسجل حضوراً في الساحة السياسية والاقتصادية، وأعني هنا منطقتي آسيا الوسطى والمناطق الإفريقية. فالمتتبع لحالة التطور التي تمضي إليها جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق يرى دعماً من القوى الآسيوية النشطة، وعلى رأسها الصينوالهند وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى روسيا الداعم الرئيسي للقيادات الحالية في تلك الجمهوريات التي وصلت إلى سدة الحكم بعد انهيار الاتحاد. أما بالنسبة لإفريقيا التي بالرغم من تكالب الفقر والفساد والمرض، إلا أنها دخلت منحنى يخولها لعب دورٍ وتأثير كبيرين في المجال السياسي والاقتصادي للشرق الأوسط، لاسيما تلك التي ترتبط بحدودٍ طبيعية مع الدول العربية، وتلك التي تسجل حضوراً اقتصادياً مبهراً، وعلى الأخص تلك الواقعة على ضفاف حوض النيل والمحيط الأطلسي. في الحقيقة لم نلقِ بالاً لتلك المناطق بالرغم من قدرة المملكة على لعب دورٍ واسع باستخدام قوتها الناعمة والاحترام السياسي الكبير الذي تحظى به على المستويين الرسمي والشعبي، إذ أسهمت المملكة كثيراً في دعم الأعمال الإنسانية في المناطق الإفريقية، كما أنها احتوت في السابق الكثير من الفارين من جحيم الشيوعية. الواقع أن الكثير من هذه الدول سيكون له حضورٌ سياسي واقتصادي كبير، فالمتتبع للدول الصاعدة يلحظ اهتماماً كبيراً بهذه المناطق، واكتشفت بكين أهمية تلك المناطق مبكراً واستفادت من التجاهل الدولي الذي تحظى به وشكلت قوى ضغط أو «لوبيات» داخل دوائر صنع القرار فيها، واستطاعت من خلال استثماراتها الضخمة تطويع الكثير من الصعاب التي تعاني منها القارة السمراء، فساهمت في تحقيق التنمية في بعض المناطق الإفريقية وبالتحديد تلك التي تعاني ضعفاً في البنية التحتية وأسهمت في إنشاء المستشفيات وشق الطرق، في المقابل توغلت الاستثمارات الصينية كثيراً واستطاعت زيادة رقعة استثماراتها حول العالم. في الجانب الآخر أدركت الدول الصاعدة الأهمية الكبرى لآسيا الوسطى كامتداد طبيعي لأوروبا عن طريق روسيا، فازداد تردد المسؤولين ورجال الأعمال على آستانا العاصمة الجديدة لكازاخستان التي تشهد نهضة عمرانية على طراز «شنغهاي» الصينية. وكان للزيارة التي قام بها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى كازاخستان وإعلانه من هناك عن مشروع طريق الحرير، أمرٌ يوحي بحجم الطموحات الصينية في هذا البلد الذي يعد مضرب مثل للاستقرار في آسيا الوسطى، كما أن الهند التي ترغب في تحقيق نمو اقتصادي قويّ وعلى الأخص بعد تولي ناريندرا مودي دفة الحكومة الجديدة تضع في قمة أولوياتها تصحيح المسار الاقتصادي. الحقيقة أننا في أمس الحاجة إلى البدء فوراً في العمل وبشكل مبدئي مع حلفائنا الاستراتيجيين وأصدقائنا، وأعني هنا الصينوالهندوروسيا من أجل الولوج إلى تلك الأسواق التي تنبئ الاستحقاقات السياسية والاقتصادية المقبلة للمملكة عن حاجة ماسة للاستفادة من المقدرات التي تنعم بها تلك المناطق، فكازاخستان على سبيل المثال تعد أكثر دول العالم غنى باليورانيوم الذي نعول عليه كثيراً حالما نقوم بإنشاء المفاعلات النووية السلمية إذ سيوفر ذلك قيامنا بجلبه عن طريق مورد أوروبي. إفريقيا الساحة المثالية للاقتصادات الناشئة يمكن أن يكون لنا فيها دور سياسي بناء من خلال تعزيز التنمية المشتركة في تلك المناطق بعيداً عن مسار الهبات أو الدعم، بل بعمل شراكة على الطريقة الصينية، وهو أمر سيحقق لنا تواجداً من البحر الأحمر حتى المحيط الأطلسي.