ليس من عادتي تقديم النصائح ولكني اعتدت أن أنصح كل أصدقائي قبل التحدث في السياسة أو الكتابة في موضوع سياسي أن يطلعوا أولاً وقبل كل شيء على كتاب الأمير لمؤلفه نيقولاي ميكافيلي. هذا الكتاب يغنيك عن تعب التفكير عند قراءة ما يجري من أحداث سياسية في هذا العالم ويزيل السذاجة إذا وجدت. كل المتصارعين في المسألة السورية أقوياء. إما بالمال أو بالسلاح أو بالخبرة السياسية. أضعف حلقة في معادلة الصراع السوري هي الشعب السوري وأسوأ حلقة هي الإعلام العربي المناصر للشعب. استمرار بشار الأسد حتى يومنا هذا في قلب الصراع لا يعود إلى قوته ولكن إلى ميكافيليته التي ورثها عن والده. تتجلى في وضوح ما يريده. لا يخالط رغبته في البقاء في السلطة أي طموحات ايدلويجية أو فكرية أو إنسانية وليس له صديق ولا عدو ولا رسالة. إنه الأمير الذي استفاد من نصائح ميكافيلي. تتفوق وزارة خارجيته على قدرة الروبوت على التفكير المجرد والنظر إلى الأمور بلا عنتريات أو إحساس بالكرامة أو غيرها من المؤثرات الإنسانية الطبيعية. يضعون خطة صارمة واضحة المعالم ويلتزمون بها حتى نهاية المنازلة. لا يؤثر فيهم الإعلام الخارجي و يتحالفون مع الشيطان ولكنهم لا يتحالفون مع شيطان واحد. سقط حسني مبارك في أقل من شهر. كان مبارك كسلفه السادات يظن أن أوراق اللعبة العالمية كلها في يد أمريكا وكان يظن أيضا أن إسرائيل هي مفتاح أمريكا فارتمى في حضنها وحول مكتبه في شرم الشيخ إلى فرع من فروع وزارة الخارجية الإسرائيلية ونام حتى استيقظ تحف به لعنات شعبه الثائر. هذا جزاء السياسي الساذج الذي يضع بيضه كله في سلة شيطان واحد. إذا قلنا أن الحكومة السورية كالروبوت فالشيطان أيضاً كالروبوت. الأسد شيطان صغير بعقلية شيطان كبير. وضع جزءًا من بيضه مع فرنسا وجزءًا مع تركيا وجزءًا مع العرب وجزءًا مع إيران وجزءًا مع روسيا وعرف حجمه في التعامل مع إسرائيل وأمريكا فوضع بيضة هنا وبيضة هناك فأثمرت هدوءًا في الجولان وسخونة إعلامية في لبنان. ثم اتخذ سياسة الحضور في كل مشكلة مزمنة في المنطقة. الصراع الفلسطيني الفلسطيني قضية حماس والجهاد وقضية الأكراد شرقاً وشمالاً وقضية العراق وقضية القاعدة والقضايا اللبنانية إلخ.. أما من يظن أن دخول قوى الإرهاب العالمي كجيش النصرة لاعباً في الصراع في سوريا جاء عرضاً وفزعة لا يفهم عقلية حكام دمشق وبالتأكيد لم يقرأ كتاب الأمير. كل المشاكل التي تحيط بالمنطقة كان لسوريا وجود وكلمة فيها صغرت أو كبرت. تلاحظ اليوم أن معركة الشعب السوري لإسقاط عائلة الأسد تحولت إلى معركة عالمية لا علاقة للشعب السوري البائس بها. ما علاقة الشعب السوري بمشروع التمدد الإيراني؟ ما علاقة الشعب السوري بصعود القومية الروسية؟ ما علاقة الشعب السوري بالقاعدة؟ لا شيء سوى قدرة الشيطان (على تعقيد الشوش) كما يقول المثل الشعبي السعودي. أخيرا لابد أن أذكر أن الإعلام العربي قدم خدمة لا تقدر بثمن لبشار الأسد، حرك الطائفية فكان بشار في انتظارها ليلوح بها في وجه الطوائف التي تمتلئ بها بلاده. لا أريد أن أفسد عليكم متعة قراءة كتاب الأمير لمؤلفه المفكر الإيطالي نيقولاي ميكافيلي.