صدام حسين استخدم كل الوسائل الممكنة لحكم شعبه بالحديد والنار، شرد أكثر من ثلاثة ملايين عراقي حتى ما قبل الحرب العراقية الإيرانية. ثم صفى خصومه في الخارج بسم الفئران (الثاليوم). انتهى بالقبض عليه في جحر تحت الأرض ولا يسكن رأسه إلا الذل والقمل. وشنق غير مأسوف عليه. ولا أعتقد أنه توفر لزعيم عربي ما توفر له من القوة الضاربة سواء الأمنية منها أو الاستخباراتية، ولكنها لم تغن عنه شيئا ولم تغير نهايته التي لم يكن ليتصورها. معمر القذافي توقع أن إبقاء الشعب جاهلا فقيرا رغم ثراء ليبيا سيضمن له البقاء. اعتمد على مشيخة القبائل وأغدق عليهم الأعطيات. وزع الإرهاب يمنة ويسرة وقتل المعارضين في الداخل والخارج. ثم استعان بالمرتزقة وبالمخدرات لاستعباد شعبه. ونعت شعبه بالجرذان. أحرق الآلاف منهم وسلط عليهم المرتزقة يقتلون وينهبون ويغتصبون. وبرغم تلك الوحشية انتهى القذافي كجرذ في جحر تحت الأرض. ثم قُتل غير مأسوف عليه. ولن تجد من يترحم عليهما. سقوط يتبعه سقوط.. بن علي ومبارك برغم أن لدى كل منهما أجهزة أمن تفوق كثيرا من الأجهزة العربية. المزيد من السقوط قادم؛ فالعالم العربي يعج بالطغاة والديكتاتوريين. اليمن وسورية تعيشان مخاض الحرية وتدفعان ثمن استعباد الشعوب ولن يوقفه قبائل صالح ولا شبيحة بشار. كل أولئك الطغاة صفق لهم المنافقون خلال حكمهم وصور لهم المنتفعون أنهم الأفضل، وللأسف صدّقوا كما صدّق غيرهم. صدّق الطغاة للدرجة التي لم يعد بمقدورهم سماع الأصوات المنتقدة مهما كانت محقة. ترى لو استغل أولئك الطغاة ثروات بلادهم في مشاريع تنموية تعود بالخير على مواطنيهم. لو أعطوا أبناء شعوبهم فرصة المشاركة في صنع القرار. لو ضمنوا حقوق وكرامة شعوبهم. لو اقتسموا معهم خيرات أوطانهم. هل كان سيؤول بهم المآل إلى ما آلوا إليه من مهانة استحقوها بجدارة؟ بالطبع لا. ولكن وللأسف الدرس لم يستوعب، البعض مايزال يعتقد أن الحل الأمني هو الضمانة وبعض آخر يبحث عن الاستقرار من خلال تقوية تيارات وخلق الصراع بين فئات المجتمع وطوائفه. إن النهايات يمكن أن تؤجل بل وأن تغير بعدة أمور: * أن يكون الشعب بكامله هو محور اهتمام الحكومة، بعيدا عن صراعات التيارات المتناحرة. * التنبه إلى أن الأيديولوجيات لا تصنع استقرارا فهي لا تتعدى أن تحافظ على مكاسبها، مقابل إضفاء شرعية زائفة على أنظمة فاسدة، وقد حاول القذافي ذلك من خلال المفتي وبعض المحسوبين على التيار الإسلامي. * القضاء على الفساد الذي أكل الأخضر واليابس، وما يجهله الكثير أن الولاء للحكومة على علاقة عكسية مع الفساد. فكلما زاد الفساد ضعف الولاء والعكس صحيح وخير مثال على ذلك ما يحدث في الجزائر رغم الثروات الهائلة والمقومات المتكاملة. * أن يكون الجميع تحت القانون بحيث يمكن محاسبة أيا كان في حالة التعدي على حقوق الغير، وأن يشعر المواطن أن القانون يحفظ له حقوقه. بقي أن تستوعب الدول التي لم تدخل مخاض التغيير الدرس وتستخلص العبر لرسم مستقبل مستقر لأوطانهم، والحقيقة أنها مهمة مشتركة بين الشعوب وقادتها للسير قدما نحو مستقبل مشرق من دون المرور في مرحلة الفوضى.