حينما تصفو الأجواء التي تُحيط بنا، فإننا نرى كل شيء واضح أمامنا، ولسنا بحاجة للبحث عن شيء يختفي وراء السحاب أو يتوارى خلف الكثبان البعيدة، هذا الجو الطبيعي للحياة ينعكس على رؤيتنا للعالم، فتُصبح نفوسنا نقية من الغشاوة وخالية من الغل والضغينة، ولسنا مضطرين، حينها، لفهم الأمور بخلاف ما تُوحي به، ولا يعنينا البحث عمّا وراء الكلمات من ظلال المعاني الكامنة. ما يُقال لنا هو ما نفهمه، ومالم يقل لسنا ملزمين بالبحث عنه. العقل بحاجة للعمل المتوازن لكي ينتج ويُعطي، وبهذا تنمو النفس الصافية التي تسعى لتحقيق الثالوث المثالي للعيش السعيد وهو الحق والخير والجمال. والأجيال السابقة التي عاشت في مثل هذه الأجواء الصحية يدركون أن الصدق هو أساس التعامل بين الناس وأن الكذب إن حصل فإنه استثناء، ويعلمون أن حسن النية في الناس هو الأصل، وأي شكوك لاداعي لها دون دليل يدعمها، يُقدّمون العطاء ويبذلون بسخاء ثم ينسون الأمر فلا ينتظرون ردود الأفعال أو يترقبون نتائج عطائهم. لاشكوك بين الزوجين لأن كل واحد منهما واضح وليس لديه ما يكتمه عن الآخر، ولا سوء فهم بينهما بسبب عدم دقة التعبير لأن كل واحد يعرف السياق العام للكلام دون حاجة لكي يتتبع الزلة اللفظية ويتلاعب بها، وليس ثمة ريبة بين الجيران والأقارب لأن كل شخص مسؤول عن نفسه وعن أفعاله وليس مسؤولا عن ظنون الناس وتخميناتهم فيه، أما التذاكي في الاستغراق في تأويلات مفرطة لكل حدث وكل تصرف وكل كلمة تجري في حياة المرء فلا يجلب سوى الحسرات والأذيّة. الذكاء هو الفطنة والحكمة وحسن الرؤية في تقدير الأمور وتجاوز الزلّات من الأصدقاء إن حصلت والبحث لهم عن العذر، وليس الذكاء هو إعمال العقل في البحث عن المؤامرات والمكائد واستغلال العثرات والإيغال في التجريح. إن أفضل حديث في تلك الأجواء هو قصص النجاح والتميز والتطور والحب والوئام بهدف تعظيمها والركون إليها، أما قصص الشماتة والتشفي وكشف عورات الناس والبحث عن نقائصهم والتنقيب في عيوبهم فهذه قصص ممجوجة ولا تلقى صدى عند أحد. ومن الطبيعي أن تنمحي الشكوك وتزول التهم ليحلّ محلها حسن التقدير وقبول العذر، ذلك زمن جميل لم يندثر لأنه موجود في عقول الحكماء ذوي العقل الراجح وأصحاب البصيرة الناقدة.