استكمالا لما سبق طرحه في هذه الزاوية عن الجدارة العلمية التي حققتها جامعة الملك سعود بفوزها في مرتبة ضمن خمسمئة جامعة متميزة على مستوى العالم وفق تصنيف "شنغهاي" العالمي الذي ظهرت نتائجه مطلع هذا الأسبوع. تحاول هذه الزاوية الالتفات إلى بعض الجوانب الإيجابية التي أسست لها الجامعة وانعكست على أدائها وعطائها. ومع عدم ادّعاء الكمال، فإن جامعة الملك سعود حقّقت مكانة في هذا السلم الإداري والتنظيمي والسلوكي، وخطواتها الحثيثة تسابق الزمن لإحراز مزيد من الإنجازات والعطاءات التي تخدم العلم والمجتمع والحضارة. وبلمحة سريعة يمكن ملاحظة كثير من التغييرات على أرض الواقع، ومن ذلك مثلا، أن الطلاب والطالبات أصبح لهم ولهن مجالس وأندية ولجان تعنى بالحقوق وتوضح الواجبات، وصارت تلك الأمور معلنة ومعروفة ومُطبّقة، وأضحى صوتهم مسموعًا ومُقدرًا وله أولوية عن المسؤولين. ولم يقتصر الأمر على الطالب، بل إن الموظف والعامل يجد معاملة احترافية من رؤسائه وزملائه لكي يتعلّمها وينقلها لغيره ممّن يتعامل معهم. وسبق لكاتب هذه الأسطر الإشادة بموظف متميز في مكتب سعادة وكيل الجامعة للدراسات العليا والبحث العلمي يعدّ مثالا في تعامله الوظيفي والشخصي. ومع هذا، فثمة عناصر ربما لم تفهم بعد منهج الجامعة الجديد، ولعل ما تتيحه الجامعة من دورات وورش عمل مستمرة يسهم في انتشال البعض من فكرهم الذاتي المنحصر في دائرة مغلقة إلى فكر أوسع وأكثر فضاء لكي يروا مالم يروه بظروفهم الحالية، ويعرفوا جديدًا ما وسعهم معرفته في ظل عقلية الانغلاق على الذات. والمهم أن يجد الموظف والعامل التعامل المرتبط بإنجازه لا بشخصه لكي يحظى بالقيمة الحقيقية التي يكتسبها بمهارته واجتهاده. كما أضافت الجامعة بعداً مهماً في رسالتها بارتباطها بالمجتمع، فاهتمت بتلبية احتياجاته وسعت نحو الاستفادة مما يُنتجه من مقدّرات. وصار من المعتاد أن تُؤخذ أي ملحوظة –بصرف النظر عن مصدرها- مأخذ الجد وتُعطى الاهتمام المناسب، وتحتل الشكوى اليوم مكانة عند المسؤولين ولا يمكن إغفالها أو غض الطرف عنها حتى يثبت مايؤيدها أو ما ينفيها. وبذلك، لم يعد تبرير الأخطاء مقبولا بأي حال من الأحوال بقدر ما حلّ محله تصحيح الخطأ مباشرة ووضع خطة قابلة للتنفيذ لتلافي الهفوات وما يقاس عليها من احتمالات تقصير في المستقبل. وبهذه الاستراتيجية التنظيمية التي تُراعي جميع العناصر البشرية، فتستثمر إمكاناتهم وتحفزهم لاستخراج طاقاتهم الكامنة، وتفتح الباب مُشرّعًا للاستفادة من تجارب الآخرين، وتتيح الفرصة للتعلّم من الملحوظات والمقترحات؛ فإن العمل يسير من نجاح إلى نجاح. ومع كل قصة نجاح يشهدها الواقع المحيط، تتغير مكوّنات الفشل في المحيط المجاور وتنمحي أسبابه. وهذا ما حصل مع جامعة الملك سعود التي افتتحت قصص النجاح من خلال وكالة التبادل المعرفي ونقل التقنية ببرامجها الجديدة في كراسي البحوث واستقطاب العلماء وعقد الشراكات العالمية واستحداث البرامج التطويرية، ثم أشاعتها في بعض العمادات المساندة ثم في بعض الكليات وبعض الأقسام. وهذا النجاح مرتبط بمسؤولية، ويقود بدوره إلى مسؤولية أكبر أمام المجتمع الأكاديمي والعالمي، ليس فقط للحفاظ على التميز الحاصل في الجامعة، بل كذلك إلى أن يقع عليها عبء إصلاح الخلل أينما كان وإيجاد الحلول للمشكلات خارج الجامعة وقيادة تطوير البلد بأكمله. وبمثل مانجد أن هناك من يفرح لهذا الإنجاز ويشيد به، سنجد في المقابل من تنفتح عينه على تتبّع الزلاّت والبحث عن النقائص ومحاولة تكبيرها. وهذا أمر طبيعي ومقبول ولابد أن يعامل الأمر بشقيه على أنه يمثل رؤية يجب احترامها حتى وإن اختلفنا معها؛ ذلك أن نهج الإشادة أو نهج القدح إنما يهدفان في النهاية إلى بلوغ درجة عالية من الكمال، والرفق بينهما هو اختلاف الوسيلة المتبعة في إيصال الفكرة. على أن مهمة إرضاء الناس رغم مشقتها إلا أنها غاية نبيلة. ومع القول بصعوبة إدراكها، إلا أنه يحسن أن توضع دائمًا بعين الاعتبار لأنها تساعد المخطط على التبصّر باحتمالات أخرى ربما لم تخطر على باله. والمؤمل أن يؤدي نجاح الجامعة الحالي إلى نجاحات متلاحقة، وأن يسود التميز الجميع؛ فيعمّ أروقة الجامعة وأطرافها، ويشمل كل شخص موجود على حرمها، ويصل إلى كل قسم ووحدة وقاعة ومكتب. فالهدف هو أن تسري خيرات الجامعة بمختلف أبعادها لكي يستفيد منها المؤهل لذلك، ولن يحرم منها إلا من يتعمّد أن يحرم نفسه بنفسه. ومن البديهي الإشارة إلى أن الجامعة هي النواة الحيوية في المجتمع، وما يجري فيها من سلوك ينعكس -بالضرورة- على الحياة ويغير مجرياتها. ومن هنا، فإن إبراز سلوك إيجابي داخل الجامعة بحيث يكون منهجًا أساسيًا يسم الجامعة ومنسوبيها بوسمه، فيصبح علامة فارقة لها عن غيرها، سينتقل مع الزمن إلى المحيط الخارجي ويؤثر في بنية المجتمع، وبذلك تسجل نجاحاً جديداً وبشكل أعمق في البناء والنماء.