يحق لكل شاعر، بل لكل إنسان، أن يقدم على ما يشاء من تصرفات، لكن لا يحق له أن يفرضها على الآخرين، فما بالك إذا كان هؤلاء الآخرون هم الشعراء؟ لا أدري إن كان أدونيس قد أقدم فعلا على خطوة حذف أشعاره الأولى من مجمل أعماله الشعرية، كما يروج بعضهم، أم إنها نوع من المناورات الإعلامية التي يجيدها ويقدم عليها بين آونة وأخرى. لكنني متأكدة أن ادونيس أو أي شاعر آخر عندما يحذف شعره الأول، لا يستطيع أن يمنع المتلقي من تلقي هذا الشعر والتعامل معه على انه شعر ادونيس مثلا، وبالتالي يظل هذا الحذف بلا قيمة حقيقية ولا معنى له، إلا إن كانت مجرد خطوة نقدية أو نوع من الكتابة على الكتابة بشكل تجريبي يريد من خلالها الشاعر أن يوصل رسالة مفادها انه شاعر متغير، لكن الشاعر أصلا متغير بطبيعة الشعر وضروراته الحقيقية. وبالتالي فإنه يستطيع إيصال تلك الرسالة بالكتابة الشعرية الجديدة وهذا أفضل. أما أن يحذف شعره الأول فهذا مما لا يملكه حتى لو أراد، كما أن في ذلك مصادرة لذائقة المتلقي الذي يستطيع أن ينتقي ويحذف مما يقرأ لأي شاعر ما يشاء. وبالمناسبة، أنا شخصيا أنحاز وبشدة لشعر أدونيس الأول، ولا يمكنني حذفه من قراءاتي لمجرد أن شاعره أراد ذلك. أقول هذا كمتلقية وكقارئة للشعر، وهذا ما يتوافق مع رأيي كشاعرة أيضا. فقبل عدة شهور أعدت نشر كل كتبي الشعرية السابقة في كتاب واحد، وقد اقترح علي بعض الأصدقاء أن احذف من تلك الطبعة ما لم يعد يمثلني من شعري أو ما أشعر انه ضعيف مقارنة بقصائدي الأخيرة، ولكنني لم استسغ الفكرة، بل إنني لم أحب حتى التفكير في إمكانية تنفيذها، لسبب بسيط هو أن هذه الخطوة لا معنى لها، ولا يمكنني مثلا أن أقدم نفسي للقراء منبتّة عما كنته قبل الكتاب الأخير على سبيل المثال. ثم أن فعلة كهذه تبدو فعلة غير منتهية، فإن حذفت قصيدتي الأولى اليوم فلا بد لي أن أحذف قصيدتي الحالية غدا، وهكذا. وكما يحق لأدونيس أو غيره من الشعراء ان يحذف ما يود من أشعاره، يحق لي أنا أيضا، وغيري من الشعراء أن أبقي عى هذا الاشعار حتى لو لم تعد تمثلني الآن.. فلا نهاية ولا تعريف محدد لهذه "الآن".