أحمدالله ان العالم لا يتحاور بنفس الطريقة التي يتحاور بها خطباء ساحة حديقة الهايد بارك في لندن مع جمهورهم. مررت مؤخراً بتلك الزاوية المشهورة في حديقة الهايد بارك حيث يتجمع الخطباء كل يوم أحد لممارسة هواية التحدث في كل شيء دون قيود. كنت في السابق اجدها ممتعة اما في زيارتي الأخيرة فقد وجدتها وقد تحولت إلى تهريج وصارت تشبه بعض الساحات والمنتديات في الانترنت حيث اطلاق الكلام والآراء دون قيود أو حدود أو أخلاق. وجدت أيضاً ان نسبة الحضور العربي في الساحة كبيرة ونقاشاتهم حادة جداً بل ان بعض النقاشات تتحول من نقاش سياسي إلى حلبة هجاء، وتفاخر، واذا اردت ان تشارك بسؤال أو رأي فلا تندهش اذا كان الرد عليك من نوع: انت جاهل، انت متخلف، انت لا تفهم!!. سوف يتأكد جهلك بطبيعة الحال اذا قررت الاستمرار في التحاور مع احد الخطباء، ولكنك سوف تكتشف ان التجربة ستحفزك للتأمل في احوال العالم الفكرية، والسياسية ولك ان تتخيل لو ان هذا العدد القليل من الخطباء في ساحة الهايد بارك هم الذين يمثلون الرأي العام الدولي ثم تحمد الله ان حوار هذه الساحة ليس له نتائج ولا توصيات ولا يتخذ أي نوع من القرارات. يتواجد في الساحة خطباء من جنسيات مختلفة ليس من بينها الجنسية البريطانية فالبريطانيون يتجهون إلى البرلمان أو إلى أعمالهم ومختبراتهم وليس لديهم وقت للجدل، ومن يريد منهم التسلية يستطيع ان يختار احدى المسرحيات الكوميدية أو يتجه إلى احد الشوارع المغلقة التي يستعرض فيها البهلوانيون فنونهم ومهاراتهم مقابل مبالغ بسيطة يدفعها المتفرجون من المتسوقين. ما يجري في حديقة الهايد بارك هو أشبه بعرض مسرحية هزلية مجانية أو كأنك امام مجموعة من المسارح، ومن ايجابيات التواجد هناك امكانية التنقل من مسرح إلى آخر بكل حرية، كما ان المتفرج يستطيع ان يتحول إلى ممثل، والمستمع يصبح هو المحاضر. ليس هناك شروط ولا مؤهلات والساحة مفتوحة لأي موضوع ويستطيع متحدث بحد أدنى من التعليم والثقافة ان يتحدث في أمور دينية متعمقة تماماً كما يحصل في بعض ساحات الانترنت، وكما يحصل في الفضاء المفتوح لمن يريد الافتاء في كل شيء. أما في القضايا السياسية فيلاحظ حضور العراق، وثياب فلسطين وهي صورة تكاد تقترب من الواقع فقضية فلسطين رغم وجود ما يسمى بالمفاوضات، وخريطة طريق، ومؤتمر انابوليس، واللجنة الرباعية لا تزال تسير بدون خريطة واضحة، وقد تراجعت القضية اعلامياً وفي محيط الاهتمام الدولي في غياب الوحدة الوطنية وقوة التأثير الصهيوني الذي يحرف القضية من قضية احتلال إلى قضية مكافحة الارهاب، ومع غياب استراتيجية اسرائيلية للسلام فإن فلسطين أزمة مرشحة لمشوار طويل لا يعلم الا الله متى وكيف سينتهي؟. وبالنسبة لاسرائيل فإنها غير معنية بالخطب والخطباء سواء كان مصدرها مبنى الأممالمتحدة أو ساحة الخطباء في الهايد بارك فقد تعودت على عدم احترام القرارات الدولية دون أي تبعات قانونية. فكيف يستطيع مجموعة من الهواة الخطباء التأثير في اسرائيل أو جعلها تنصت لخطاب منطقي أو صوت ضمير. في الهايد بارك يتحدث العالم بلا قيود وفي السياسة تتصرف اسرائيل بلا قيود أو حدود أو أخلاق.