لا أعرف ما الدافع للبعض للهجوم على مسلسل (قضية رأي عام) تأليف محسن الجلاد وإخراج السوري محمد عزيزية وبطولة يسرا وسامي العدل، في البداية سنتحدث عن بعض الأمور الخاصة بالعمل المصري بشكل عام رغم أن المخرج سوري ولكن يظهر من خلال العمل سيطرة السلوك الدرامي المصري الذي شاع في الفترة الأخيرة وهي سيطرة النجم الواحد على العمل رغم أن هناك ممثلتين شاركتا يسرا في عقدة العمل - الاغتصاب - ورغم مشاركتهما في الحدث الرئيسي إلا أنهما ليستا من ممثلات الصف الأول، قد يكون مقصوداً وفقاً للجو العام في الدراما المصرية وهي سيطرة النجم الواحد وقد يكون بقصد إعطاء فرصة لوجوه شابة للظهور في أدوار قوية ومساحات كبيرة.. ربما.. ورغم هذين الاحتمالين بقت البطلة الرئيسية - يسرا - هي المحرك الأساسي لتوجه العمل فهي من تسعى لأخذ الحق ومعاقبة الجاني والتنازل عن كل مميزاتها في سبيل إظهار الحق وهي المحرض الرئيسي لكل من حولها لأخذ حقوقهم التي ستنعكس على المجتمع وهي من تعارك العاصفة وتقف في وجه التيار وتواصل سيرها على الأشواك رغم نبذها من كل من حولها. خلاف هذه النقطة وتجاوزاً لبعض المشاهد والحوارات التي تدخل في دائرة التكرار أو التمطيط التي تظهر في المسلسلات نتيجة طول المدة الزمنية علماً أن هذه المدة الطويلة للمحترفين قمة المتعة وساحة الإبداع - وأظن أن هذا العمل نجا من السقوط بعمق في هذه الدائرة - فالعمل واقعي جداً واستغرب أن يرى البعض فيه تشويهاً لصورة أي مجتمع فأين المجتمع الذي لم يعد يشتكي من آفة الاعتداء الفعلي على الأعراض سواء تجاه نساء أو أطفال بجنسيهما؟!. إن مسلسل قضية رأي عام من الأعمال التي لامست الواقع جداً وكان هناك شمولية في اختيار الشخصيات من خلال الطبيبة المتزوجة المستقرة في حياتها العائلية والمهنية والطبيبة من أسرة صعيدية رمز المحافظة والشرف الذي لا يغسله إلا الدم وهي مخطوبة لابن عمها الذي يعيش معها قصة حب منذ الطفولة، والممرضة الحامل لأول مرة، ومن جانب الجناة أيضاً كانت هناك شمولية الشاب ولد الوزير ويمثل الثراء والنفوذ، والثاني ابن أسرة تعمل في الخليج لتأمين حياة كريمة لأبنائها، والثالث فقير حتى أنه اضطر أن يتزوج امرأة يراها شبيهه بالوحش مما جعله يهجر المنزل. نتائج الاغتصاب أيضاً كانت واقعية ونقل الواقع أو على الأقل الجزء الأكبر منه احترام للمشاهد، فالتحايل على الواقع أو تجميله خاصة في الأمور الحساسة ما هو إلا قول للمشاهد وبعبارة عريضة أنت غبي لذا نبث لك هذه المشاهد!. فالطبيبة وهي رئيسة في عملها يفترض بها القوة التي ظهرت فيها فعلاً فهي رئيسة في عملها وتملك عيادة خاصة أي أنها مرت بمنعطفات كثيرة في حياتها تعطيها الصلابة التي ظهرت بها بعد حادثة الاغتصاب، الشخصية الثانية الصدمة والخوف من عائلة صعيدية لا تبرر للفتاة أي شيء يمس شرفها الذي يعتبر شرف للعائلة بأكملها كما أنها مخطوبة أي أنها لم تدخل الحياة الزوجية وتوابعها بمعنى آخر أن هذه الشخصية كانت من أشد الشخصيات حساسية وتأثراً بالاغتصاب وهذه المسألة قد تعيش معها ومع زوجها طوال حياتها علماً أن الحادثة في حد ذاتها حفرة مؤلمة وعميقة داخل النفس ولكنها تتفاوت بين شخصية وأخرى. من جماليات النص أنه لم يكن هناك مبالغة ومثالية في الحوار إلا في القليل جداً والذي يشفع لعدم ذكرها أن معظم التفاصيل كانت منطقية وواقعية، كما كان هناك انسياب في توالي الأحداث ومن إحدى مظاهر جودة العمل إظهار عقدة جديدة في الحلقة الخامسة والعشرين بينما معظم المسلسلات في الحلقات العشر الأخيرة تبدأ تمهد لفك العقد التي ظهرت من الحلقات الأولى بينما مسلسل قضية رأي عام أظهر عقدة بالغة الأهمية وهي حديث الأوساط الدينية في معظم البلاد الإسلامية تتمثل في قضية إجهاض المغتصبة وكانت عقدة خطيرة أثارت المشاهد الذي هدأ واستعد فقط لمشاهدة كيفية القبض على الجناة إلا أن هذه العقدة التي هي محل جدل ديني واسع جذبته أكثر من اعتراف الجناة أي أن المسألة لم تكن فقط في إيجاد عقدة في الحلقات الأخيرة ولكن ما هي هذه العقدة؟ وأتصور أن مؤلف العمل وفق في اختيار هذه العقدة وعموماً توظيف قضايا المجتمع ذات الجدل في الأعمال الدرامية مهم جداً ليستوعبها الجمهور. ومن خلال متابعتي لما كتب حول العمل لاحظت أن البعض انتقد وضعية ابن العم وتمسكه بابنة عمه لحبه لها وليس من باب الشهامة حيث قال البعض أن هذه الشخصية غير موجودة في الواقع وأنها من صنع الخيال فقد يتزوجها فعلاً ولكن للستر عليها وحفظ اسم العائلة أو كسب الأجر من الله. وقد أحزنتني هذه الآراء فهي تحبط الهدف الرئيسي من العمل والمشكلة ليست في العمل ذاته وإنما في ثقافة المتلقي، شخصية الخطيب المحب الذي هو ابن عمها - نستبعد صلة القرابة - موجودة وبكثرة وإن لم تكن موجودة فدور الدراما تصليح الواقع وتعديله فأي ذنب ارتكبتها الضحية لينقلب حب الحبيب إلى بغض أو انسحاب من حياتها ومضاعفة الألم؟! هذه الشخصية ليست خيالية بل يجب أن تكون موجودة، إن ما قام به الخطيب هو أقل أنواع الأعمال الإنسانية التي يفترض أن يقوم بها أي محب نحو حبيبته.. ورغم أن نهاية العمل جاءت سعيدة وهي النهاية التي اعتدنا عليها في معظم المسلسلات العربية إلا أن هذا الأمر لا يقلل من جودة العمل كفكرة وحوار وتسلسل أحداث، وأداء جيد من أغلب الممثلين ضبطه المخرج محمد عزيزية.