تشهد المملكة هذا الموسم انتشارًا مبكرًا وشديد الأعراض للإنفلونزا الموسمية، ما أثار قلق الأسر واهتمام الجهات الصحية والتعليمية في آن واحد. وأعلنت وزارة الصحة عبر تطبيق "صحتي" بدء تقديم لقاح الإنفلونزا الموسمية، مؤكدةً أن التطعيم يسهم في خفض معدلات الإصابة الحادة ويقلل الحاجة إلى العناية المركزة والوفيات، خاصةً لدى الفئات الأكثر عرضة للمضاعفات مثل كبار السن، والحوامل، والمصابين بالأمراض المزمنة، والأطفال من عمر ستة أشهر حتى خمس سنوات، والعاملين في القطاع الصحي. وأشارت الوزارة إلى أن 96 % من الحالات التي نُقلت للعناية المركزة في الموسم الماضي لم تتلقَّ اللقاح، ما يبرز فعاليته في الوقاية وتقليل شدة الأعراض. وفي هذا السياق، أوضح الدكتور عبدالله عسيري -وكيل وزارة الصحة للصحة السكانية- أن نشاط الأمراض التنفسية، وخاصةً الإنفلونزا، ظهر هذا العام بشكل أسرع من المعتاد، وقال: الإصابات بدأت مبكرًا مع شعور الناس بارتفاع في الحرارة وآلام الجسم أكثر من السنوات السابقة، إلاّ أن معدّل الحالات الشديدة والوفيات ما زال ضمن الحدود المتوقعة بفضل الإقبال على التحصينات والتغطية الجيدة للفئات المستهدفة. وعلى الرغم من توصية وزارة الصحة بعدم حضور الطلاب للمدارس عند ظهور أعراض الإنفلونزا لتفادي نقل العدوى، يجد أولياء الأمور أنفسهم أمام معضلة يومية، إذ تحتسب بعض المدارس الغياب وتُلزم الطلاب بتعويض الدروس، ما يضع الأسر بين خيارين أحلاهما مرّ؛ إما حماية صحة أبنائهم وزملائهم، أو تجنّب تسجيل غياب قد يؤثر على تقييمهم الدراسي، ويزداد هذا العبء على الأمهات العاملات اللاتي يجدن صعوبة في التوفيق بين رعاية الأبناء المرضى ومتطلبات العمل. وفي محاولة لتقليل هذا الإرباك، منحت سابقاً وزارة التعليم مديري المدارس صلاحية تعليق الحصص الحضورية أو الانتقال للتعليم عن بُعد عند تفشّي الأمراض المعدية أو ظهور مؤشرات خطر صحي داخل المدرسة، مستفيدةً من تجربة التعليم الرقمي التي أثبتت نجاحها خلال جائحة كورونا، إلاّ أن تطبيق هذه الصلاحيات لا يزال متفاوتًا بين المدارس، ما يستدعي توحيد الإجراءات ووضع آلية واضحة لاحتساب الغياب المرضي وفق تقارير المراكز الصحية. ويؤكد الأطباء أن معظم حالات الإنفلونزا لا تحتاج سوى للراحة في المنزل، وشرب السوائل، واستخدام الأدوية المضادة للفيروس في حال وصفها الطبيب خلال أول 48 ساعة من ظهور الأعراض، مع مراقبة أي تطورات قد تشير إلى مضاعفات مثل الالتهاب الرئوي أو صعوبة التنفس، كما شددت التوصيات الصحية على أهمية الوقاية من خلال غسل اليدين بانتظام، وتجنب الأماكن المزدحمة، واستخدام المناديل عند العطس والسعال، وتنظيف الأسطح المشتركة باستمرار. ويبقى التحدي الأكبر هذا الموسم في تنسيق الجهود بين وزارتي الصحة والتعليم، بحيث تتحول التوصيات الطبية إلى سياسات واقعية داخل المدارس، تسمح بغياب الطلاب المصابين دون ضرر أكاديمي، وتضمن في الوقت ذاته استمرار العملية التعليمية بأمان، فبين حرارة العدوى وبرودة الأنظمة، تنتظر الأسر قرارا يوازن بين صحة أبنائهم وحقهم في التعلم.