احتفى مركز البحوث والتواصل المعرفي في مقره بالرياض بالروائي الصيني الشهير ماي جيا، أحد أبرز الأصوات الأدبية في الصين الحديثة، في ندوة حوارية خاصة عقدت بحضور نخبة من المفكرين والأكاديميين والأدباء السعوديين والصينيين، ومن بينهم المترجم يحيى مختار، مترجم رواية "هكذا الحياة"، وذلك ضمن جهود المركز لتعزيز التبادل الثقافي والمعرفي بين المملكة وجمهورية الصين الشعبية. واستُهل اللقاء بكلمة الدكتور يحيى محمود بن جنيد، رئيس المركز، الذي رحّب بالضيف الصيني وبالوفد المرافق من دار إنتركونتننتال الصينية للنشر، مشيدًا بعمق العلاقات الثقافية بين البلدين، ومؤكدًا أن التواصل المعرفي هو "الطريق الأجمل لتقوية الصداقة بين الأمم بعيدًا عن السياسة والاقتصاد"، مشيرًا إلى أن الأدب الصيني، بما فيه من رمزية وإنسانية، يمثّل نافذةً غنية للتعرّف على ملامح الحضارة الآسيوية القديمة والمعاصرة. وتولّى إدارة الندوة الأستاذ هيثم السيد، نائب مدير إدارة البحوث ومدير وحدة الدراسات الصينية بالمركز، الذي قدّم مقدمة حول تطوّر الأدب الصيني المعاصر، متوقفًا عند تجربة ماي جيا التي تمتاز بدمجها بين السرد البوليسي والفلسفة والتاريخ الاجتماعي. كما أشار إلى أن أعماله تُدرّس في عدد من الجامعات الصينية والعالمية لما تتضمنه من عمق إنساني وتناولٍ معقّدٍ للعلاقات بين المعرفة والسلطة والذاكرة. وقدمت سو تشيان، نائبة مدير الكتب في دار إنتركونتننتال للنشر، كلمةً استعرضت فيها أفق التعاون بين الدار والمركز، مؤكدة أن المملكة تمثل شريكًا ثقافيًا مهمًا للصين في العالم العربي، وأن هذا اللقاء يفتح آفاقًا جديدة للترجمة والنشر المشترك. تلا ذلك عرضٌ مرئي قصير تناول مسيرة ماي جيا الإبداعية منذ بداياته في العمل العسكري حتى تحوّله إلى الكتابة الأدبية، كاشفًا عن خلفيات رواياته الشهيرةن مثل "الشيفرة" و"هكذا الحياة". وقدّمت الأستاذة مريم (يانغ شوي)، مسؤولة العلاقات الدولية في دار إنتركونتننتال، تعريفًا بالكاتب مسلّطةً الضوء على مكانته في الأدب الصيني الحديث، مشيرة إلى أنه "يمثل نموذجًا للكاتب الذي يكتب بلغةٍ إنسانيةٍ عالميةٍ تتجاوز الحواجز الثقافية". وعقب ذلك، ألقى الباحث عبدالواحد الأنصاري من المركز قراءة تحليلية لرواية "هكذا الحياة" لماي جيا، موضحًا أنها تعبّر عن فلسفة مقاومة الانهيار، وأنه استطاع من خلال الرواية تحويل المأساة الشخصية إلى تأملٍ فلسفي في معنى الحرية والمصير. كما أشار إلى أن أسلوبه يمزج بين الرمزية الشعرية ودقة البناء السردي التي تُظهر وعيًا عميقًا بالإنسان وتناقضاته. ثم ألقى ماي جيا كلمته معبّرًا عن سعادته بزيارة المملكة، قائلاً: "الأدب لا يحتاج إلى ترجمان حين يكون صادقًا، لأنه يتحدث إلى القلب مباشرة"، موضحًا أن الكتابة بالنسبة له وسيلة لفهم الذات والعالم، وأن القارئ العربي يشكّل له تحديًا جميلاً لأنه قارئ ذو ذائقة عالية وشغف بالمعنى. وعُرض بعدها فيلمٌ موجز عن أعمال ماي جيا التي تُرجمت إلى أكثر من عشرين لغة، وحققت انتشارًا واسعًا في آسيا وأوروبا وأمريكا. وأعقب ذلك حوار مفتوح ومداخلات بين الحضور والروائي الصيني، شارك فيه الدكتور بشّار عوّاد والروائي عبدالعزيز الصقعبي والقاص خال اليوسف وعدد من الأكاديميين، إضافة إلى السيد تشاو هاي يون، نائب المدير العام لإدارة الاستيراد والتصدير بوزارة الإعلام بالصين، الذي أشاد في مداخلته بالدور الثقافي الذي يقوم به مركز البحوث والتواصل المعرفي في مدّ جسور التفاهم بين الشعبين السعودي والصيني. واختُتم اللقاء بحفل غداء أقامه المركز على شرف الضيف، تبادل خلاله الحضور الأحاديث حول مستقبل التعاون الثقافي والترجمة المتبادلة بين المؤلفين ودور النشر في البلدين. يُذكر أن مركز البحوث والتواصل المعرفي يعمل منذ تأسيسه على توثيق التعاون الأكاديمي والثقافي بين المملكة ومختلف دول العالم، من خلال تنظيم الندوات والبحوث والبرامج المشتركة، ويُعد من أبرز المراكز البحثية السعودية التي تسهم في بناء التواصل الحضاري والمعرفي بين الثقافات.