في لحظة سياسية فارقة، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتزام بلاده الاعتراف رسميًا بدولة فلسطين في سبتمبر المقبل، ليعيد بذلك زخمًا مهمًا إلى مسار العدالة الدولية. لكن ما لم يظهر على السطح إلا متأخرًا، هو حجم الجهد العربي –والسعودي تحديدًا– الذي مهد لهذا التحول الأوروبي النوعي. فبحسب ما كشفه نائب رئيس دولة فلسطين، حسين الشيخ، فإن المملكة العربية السعودية، بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مارست دورًا فاعلًا ومؤثرًا في الاتصالات السياسية مع فرنسا، وهو ما تُوّج برسالة الرئيس ماكرون إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس، التي تضمنت وعد الاعتراف القريب. الدور السعودي في فلسطين ليس نتاج اللحظة السياسية الراهنة، بل يعود إلى عقود خلت، حيث ارتوت أرض فلسطين بدماء شهداء الجيش السعودي الذين قاتلوا في معارك 1948. تؤكد المصادر الفلسطينية الرسمية أن أكثر من 170 جنديًا سعوديًا استشهدوا دفاعًا عن فلسطين، ودفن عدد كبير منهم في القدس والخليل ونابلس. هؤلاء الأبطال تركوا بصمة خالدة في الوعي الفلسطيني، وساهموا في رسم صورة السعودية باعتبارها شريكًا في الدم والميدان، لا مجرد داعم سياسي. ولا يمكن لأي فلسطيني أن ينسى الملك فيصل بن عبدالعزيز –رحمه الله– الذي جعل من القضية الفلسطينية حجر الأساس في سياسته الخارجية؛ حين وقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974، لم يكن صوته يعبّر عن السعودية فقط، بل عن كل فلسطين: "لن يتحقق الأمن والسلام في المنطقة ما لم يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة كاملة." وقد شكّل قراره الشجاع بقطع النفط عن داعمي الاحتلال في حرب أكتوبر 1973 سابقة سياسية واقتصادية أربكت الحسابات الغربية، ورسّخت صورة فيصل كأحد أبرز القادة العرب الذين لا يساومون على فلسطين. وقد واصلت المملكة تمسكها بمبادرة السلام العربية، وشددت في كل المحافل على أن لا حل دون دولة فلسطينية مستقلة، وقد رأينا التحرك الديبلوماسي الفاعل؛ فالمكالمة التي أجراها نائب رئيس دولة فلسطين مع وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، مساء إعلان ماكرون، لم تكن مجاملة، بل اعترافًا حقيقيًا بالجهد السعودي الميداني والدولي، الذي ساهم في كسر جدار الجمود الأوروبي تجاه فلسطين. وفي وقت انشغل فيه البعض بتبرير التطبيع أو إدارة الظهر للقضية الفلسطينية، وقفت المملكة العربية السعودية – قيادةً وشعبًا – على عهدها القديم. فلسطين، التي ما زالت تقاوم الاحتلال والاستيطان والحصار، لم تكن يومًا وحدها في معركتها. كانت دومًا مدعومة من قيادة المملكة العربية السعودية وشعبها النبيل. ومن القدس إلى الخليل، ومن جنين إلى غزة، يرفع الشعب الفلسطيني اليوم صوته عاليًا: شكرًا يا مملكة العروبة.. شكرًا على الموقف، وعلى الوفاء.