تَشهد العاصمة السعودية الرياض هذه الأيام، فعاليات النسخة الثانية من بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، في حدث عالمي يُعد الأكبر والأبرز من نوعه عالميًا على مستوى عدد المشاركين وقيمة الجوائز. ستستمر فعاليات بطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية لمدة سبعة أسابيع، من 7 يونيو حتى 24 أغسطس 2025، بمشاركة أكثر من 2000 لاعب محترف و200 نادٍ من أكثر من 100 دولة، يتنافسون في 25 بطولة موزعة على 24 لعبة متنوعة، في حين تبلغ قيمة الجوائز المالية أكثر من (70) مليون دولار أمريكي، ستُوزع على عدة فئات. استضافة المملكة للمرة الثانية على التوالي لبطولة كأس العالم للرياضات الإلكترونية، يُجسد اهتمام الحكومة السعودية الذي توليه لقطاع الرياضة عمومًا والرياضات الإلكترونية خصوصًا، في إطار رؤية السعودية 2030، التي تهدف إلى تعزيز مكانة المملكة على خارطة الرياضات العالمية، وبالذات الرياضات الإلكترونية. ويأتي تركيز الاهتمام على الرياضات الإلكترونية، كونها باتت تحظى بشعبية واسعة، خاصة في ظل التركيبة الديموغرافية الشابة للمجتمع السعودي، حيث يُشكل الشباب تحت سن 35 عامًا ما نسبته 64 % من المواطنين، وما يقارب 63 % من المقيمين غير السعوديين، مما يعزز من رواج هذا النوع من الرياضات في المملكة وبغيرها، كونها أن محبيها ومتابيعها الذي بلغ عددهم على مستوى العالم وفقًا لمصادر ChatGPT 640 مليون شخص، مقسمين إلى 318 مليوناً من المتابعين المتخصصين، و322 مليون متابعين عرضيين، في حين تقدر القيمة السوقية للقطاع في عام 2025 بحوالي 2.9 مليار دولار أمريكي. في ظل النمو الهائل في أعداد محبي ومتابعي الألعاب الإلكترونية حول العالم، والتي يُتوقّع أن تصل إلى نحو 3.5 مليار لاعب نشط في عام 2025، تُواصل المملكة العربية السعودية تعزيز حضورها في هذا القطاع الديناميكي، مُستندةً إلى رؤية استراتيجية وطنية طموحة، تسعى للتوسع في هذا النوع من الرياضات. يًذكر أن من بين أبرز وأهم مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية، السعي للتأثير الإيجابي على المواطنين والمقيمين، وكذلك المهتمين بهذا القطاع على الصعيد العالمي من خلال التركيز على رفع جودة الحياة عبر تطوير تجربة اللاعبين، وابتكار فرص ترفيهية جديدة ذات قيمة عالية. كما وتسعى المملكة من خلال الاستراتيجية الوطنية للألعاب والرياضات الإلكترونية، إلى تحقيق أثر اقتصادي مباشر وغير مباشر عبر القطاع، يُسهم في الناتج المحلي بما يُقدّر بنحو 50 مليار ريال بحلول عام 2030، إلى جانب استحداث أكثر من 39 ألف فرصة عمل في مختلف مجالات صناعة الألعاب والترفيه الرقمي. هذا التوجه يَعكس قدرة السعودية على تحويل الشغف بالألعاب إلى فرص اقتصادية واجتماعية حقيقية، تُواكب تطلعات الشباب وتدعم الاقتصاد الوطني في مسيرته نحو التنويع والاستدامة، سيما وأن الاستراتيجية تستهدف توفير البيئة التأسيسية لتطوير الكفاءات والوصول إلى الريادة العالمية، وتسعى في ذات الوقت إلى تعزيز مكانة السعودية عالميًّا من خلال إنتاج أكثر من 30 لعبة منافسة عالميًّا في استوديوهات السعودية، وأن تصبح السعودية من بين أفضل ثلاث دول في عدد اللاعبين المحترفين للرياضات الإلكترونية. يَعكس تركيز المملكة الكبير على تطوير قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية نقلة نوعية غير مسبوقة، من خلال إطلاق وتنفيذ 86 مبادرة استراتيجية بإشراف وتعاون 20 جهة حكومية وخاصة، تستهدف بناء منظومة متكاملة تدعم نمو هذا القطاع الواعد. وتشمل المبادرات إطلاق حاضنات أعمال متخصصة، واستضافة فعاليات عالمية كبرى، وتأسيس أكاديميات تعليمية تُعنى بتطوير الكفاءات، إلى جانب صياغة وتحديث لوائح تنظيمية محفزة تُسهم في استدامة النمو وتحفيز الاستثمار. هذا الاهتمام المكثف لا يقتصر على تحسين جودة الحياة، بل يُعزز أيضًا من الإيرادات غير النفطية ويدعم تنويع مصادر الاقتصاد الوطني، لترسيخ مكانة المملكة كلاعب عالمي مؤثر في صناعة الرياضات الإلكترونية. كما أن هذا التركيز على الألعاب والرياضات الإلكترونية محليًا وعالميًا، سيكون عامًلا محفزًا ومشجعًا على جذب واستقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، عبر تبني مشاريع نوعية تشمل النوادي والأكاديميات وتطوير الأجهزة والألعاب والخدمات الرقمية المرتبطة بها. بهذا التكامل محليًا ودوليًا، ستُعزز المملكة موقعها الريادي في صناعة الترفيه الرقمي، وتُجسد نموذجًا مستدامًا يجمع بين الابتكار، الاستثمار، وتنمية المجتمع. لا يفوتني في الختام الإشادة بالجهود الكبيرة التي يبذلها صندوق الاستثمارات العامة في سبيل توطين وتعزيز مكانة قطاع الألعاب والرياضات الإلكترونية في المملكة، وذلك من خلال مجموعة ساڤي للألعاب الإلكترونية، التي أطلقها الصندوق كذراع استثماري إستراتيجي في هذا القطاع الواعد. وقد تمثلت هذه الجهود في عدد من الاستحواذات البارزة، مثل الاستحواذ على شركة "سكوبلي" بقيمة 4.9 مليار دولار، إلى جانب تشكيل مجموعة ESL وFACEIT، التي تسهم "ساڤي" من خلالها في دفع نمو تجارب الرياضات الإلكترونية الرائدة على المستوى العالمي. كما استطاعت المجموعة رفع عدد موظفيها إلى أكثر من 3,500 موظف في 22 دولة، مما يعكس التوسع العالمي المدروس والفعّال في هذا المجال من الرياضات. وفي ذات السياق، لا يسعني إلا أن أشيد بالدور الحيوي الذي يقوم به الاتحاد السعودي للرياضات الإلكترونية منذ تأسيسه في عام 2017، حيث عمل بشكل مستمر على تطوير منظومة الألعاب والرياضات الإلكترونية في المملكة، بدءًا من تمكين اللاعبين على المستوى المجتمعي، وصولًا إلى إعداد رياضيين محترفين قادرين على المنافسة عالميًا. كما ساهم الاتحاد في تحفيز القطاع وجذب استثمارات نوعية من القطاع الخاص، وتنظيم بطولات وفعاليات محلية ودولية بمعايير عالمية، فضلًا عن شراكاته المثمرة مع مطورين دوليين للمساهمة في تطوير محتوى محلي سعودي يعكس هوية المملكة ويواكب تطلعات شبابها.