شهدت التجارة الإلكترونية في المملكة توسعًا لافتًا خلال الأعوام الماضية، وبحسب تقديرات رسمية، فقد بلغ حجم التجارة الالكترونية أكثر من 35 مليار ريال، في حين وصل متوسط إنفاق الفرد السعودي عبر الإنترنت إلى قرابة 4,500 ريال سنويًا، وقد مثل هذا التحول انعكاسًا مباشرًا لتغيرات هيكلية في سلوك المستهلك، الذي لم يعد يربط قرار الشراء بزيارة المتجر أو بالتفاعل المباشر مع السلعة، بل أصبح الشراء متاحًا على مدار الساعة من خلال الهواتف الذكية التي باتت تستحوذ على ما يزيد عن 70 % من عمليات الشراء الرقمي، هذا التحول العميق لم يكن مجرد طفرة تقنية، بل أدى إلى تغييرات جوهرية في أنماط الإنفاق والقرارات المالية، حيث انتقل المستهلك من الشراء المدروس إلى الشراء اللحظي، ومن الدفع النقدي إلى الدفع الرقمي الذي قد لا يتيح له إدراك الأثر الفوري للإنفاق، فقد أظهرت بيانات سلوكية أن أغلب المستهلكين باتوا يميلون إلى اتخاذ قرارات شرائية أسرع بنسبة 60 % عند التسوق عبر التطبيقات مقارنة ببيئة السوق التقليدية، كما ارتفعت معدلات الشراء الاندفاعي، حيث يقوم ما نسبته 40 إلى 50 % من الأفراد بشراء منتجات لم تكن ضمن خطتهم الأصلية نتيجة العروض الفورية والإعلانات التفاعلية، ومن جهة أخرى ساهمت أنظمة "اشتر الآن وادفع لاحقًا" في تغيير مفاهيم الاستهلاك المالي، إذ أظهرت تقارير البنك المركزي السعودي أن نسبة المستخدمين الذين يعتمدون على هذا النمط التموِيلي تضاعفت خلال عامين فقط، ووصلت في بعض الفئات العمرية إلى أكثر من 30 %، وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب يوفر مرونة في الدفع ويبدو للوهلة الأولى محفزًا على الشراء الآمن، إلا أنه يفتح بابًا واسعًا للوقوع في المديونية المتراكمة، لا سيما مع ضعف الثقافة المالية لدى قطاع كبير من المستهلكين، فقد كشفت دراسات محلية أن 67 % من المستخدمين الذين يعتمدون على هذا النوع من التمويل لا يقرأون كامل الشروط، وأن قرابة 25 % منهم تأخروا عن السداد في مرة واحدة على الأقل خلال العام الماضي، وفي الجانب الأمني تبرز المخاطر الرقمية بوصفها تحديًا متزايدًا مع نمو السوق، إذ أبلغت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات عن أكثر من 7000 حالة احتيال رقمي تتعلق بالتسوق الإلكتروني خلال عام واحد فقط هذه الأرقام للحالات المبلغ عنها أما أرقام الاحتيال التي لم يتم الإبلاغ عنها قد تتجاوز هذه الأرقام بكثير، شملت عمليات الاحتيال مواقع وهمية وسرقة بيانات وتقييمات زائفة، من هذا المنطلق، أصبح تعزيز الوعي المالي والاستهلاكي ضرورة وطنية لا تقل أهمية عن تطوير البنية التحتية الرقمية، ويُستحسن أن تبدأ هذه الجهود من مراحل التعليم المبكر، مرورًا بالتدريب المجتمعي، وانتهاءً بتنظيمات أكثر صرامة تفرض على المتاجر الإلكترونية الإفصاح الكامل عن شروط البيع وسياسات الاسترجاع وحماية بيانات العملاء.