شكّل قسم "المنوّرة" ضمن أقسام بينالي الفنون الإسلامية 2025، الذي تنظمه مؤسسة بينالي الدرعية، في صالة الحجاج الغربية بمطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة حتى 25 مايو الجاري، نافذة متجددة على إرث المدينةالمنورة، بتقديم عرض استثنائي لمجموعة من الشمعدانات التاريخية التي زينت الحرم النبوي على مدى قرون، وارتبطت ارتباطًا وثيقًا بأجواء الإيمان والنور والسكينة في المدينةالمنورة. وتُعد الشمعدانات المعروضة في الجناح من القطع التاريخية النادرة التي تعكس مكانة الحرم النبوي الشريف ومهابة حضوره عبر العصور، حيث أوقفها عدد من السلاطين والولاة على المسجد النبوي الشريف، وأدت دورًا يتجاوز الإنارة، إذ تفوح شموعها بعطور زكية تُضفي أجواء روحانية أثناء تلاوة القرآن الكريم والأحاديث النبوية، خصوصًا في الليالي التي تمتد إلى السحر. ويُشير المؤرخ أبو عبدالله القرطّي المتوفي عام (671ه) الموافق (1273م)، إلى أن تقليد إنارة المسجد النبوي يعود إلى الصحابي الجليل تميم الداري- رضي الله عنه-، الذي يُنسب إليه إدخال القناديل والزيت إلى المدينةالمنورة من بلاد الشام، وعُلقت القناديل لأول مرة مساء أحد أيام الجمعة، لتُصبح منذ ذلك الحين تقليدًا يُجسد عراقة المكان ونور الرسالة. ويعرض جناح "المنورة" نماذج فريدة من هذه الشمعدانات التي صُنعت خلال القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي ومنها ما أُوقف مباشرةً على الحجرة النبوية الشريفة، أو قُدِّم كهدية للمسجد الشريف من شخصيات بارزة. وتميّزت هذه القطع بفخامتها ودقّة صناعتها، إذ استخدم في تشكيلها النحاس المذهّب، وتراوحت أطوالها بين (70) إلى (120) سم، محتفظةً بجمالها ورونقها حتى اليوم. ويُبرز مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية بالمدينةالمنورة هذه الكنوز التاريخية في البينالي، ضمن سردية متكاملة تحتفي بالضوء كرمزٍ للهداية، وتعكس الدور الجمالي والوظيفي للشمعدانات التي تجاوزت كونها مصدرًا للإنارة، لتصبح جزءًا من الهوية الروحانية للمكان. ويأتي جناح "المنوّرة" هذا العام متماهيًا مع عنوان بينالي الفنون الإسلامية "وما بينهما"، حيث يستعرض محطات من الإشعاع الثقافي والفني للمدينة، ليُقدّم تجربة فنية ثقافية تُجسّد عمق الحضارة الإسلامية، وتربط بين الماضي المجيد والحاضر المتجدد عبر رحلة حسية وروحانية تُعيد الزائر إلى أجواء المسجد النبوي الشريف.