يواصل الكتاب الورقي الحفاظ على مكانته في زمن التحوّل الرقمي، متحديًا انتشار الأجهزة الذكية ومنصات القراءة الإلكترونية، ومثبتًا حضوره في المشهد الثقافي، ورغم ما تتيحه التقنية الحديثة من سهولة الوصول وتنوّع الوسائط، لا تزال فئات واسعة من القرّاء تفضّل الكتاب المطبوع لما يقدمه من خصوصية في التلقّي، ومتعة في التصفح. وتتجلى هذه الظاهرة بوضوح في معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التاسعة والعشرين، المقام في مركز عمان للمؤتمرات والمعارض، الذي تجاوز عدد زواره 358 ألف زائر خلال أسبوعه الأول. ويشارك في المعرض أكثر من 670 دار نشر تمثل 35 دولة منها 36 دارًا سعودية، وسط فعاليات ثقافية متنوعة تشمل الندوات وورش العمل والأمسيات الأدبية ما يعكس استمرار الشغف بالكتاب الورقي رغم التحولات الرقمية. وأوضحت فاطمة محمد، بائعة في دار نشر عمانية ل»واس»، أن الإقبال على الكتب لا يزال قويًا حتى اليوم، رغم التوسع في استخدام الكتب الإلكترونية، مشيرة إلى أن الزوار لا يبحثون فقط عن العناوين، بل عن متعة تصفح الصفحات، وشعور الامتلاك الحقيقي للكتاب، وهي تفاصيل لا يمكن أن توفرها الشاشة مهما كانت جودتها. وأشار عبدالواحد اليحيائي، صاحب دار نشر عمانية، إلى أنه رغم عدم كونه قارئًا منتظمًا، إلا أن الكتاب الورقي يبقى خياره الأول إن أراد القراءة، مبينًا أن الورق يمنح القارئ تجربة بصرية لا تتطلب شحنًا أو اتصالًا، بل فقط لحظة صفاء وكتاب بين يديه، مبينًا أن الكتاب المطبوع سيبقى دائمًا رمزًا للمعرفة الكلاسيكية، وعلامة على التمسك بجذور القراءة الأصلية. وأوضحت جهينة العامري، وهي موظفة في دار نشر سعودية مشاركة في المعرض، أن أنماط القراءة تتنوع حسب الفئات العمرية، موضحة أن قصص الرعب تحظى بشعبية لدى الأطفال والمراهقين الذين ينجذبون إلى الخيال والإثارة، ويفضّل الشباب في العشرينيات من العمر، كتب التنمية الذاتية وتطوير المهارات، لما تمنحهم من تحفيز واستكشاف للذات. وأضافت أن كبار السن غالبًا ما يميلون إلى الكتب الدينية والفلسفية التي تلامس الوجدان وتثير التأملات العميقة، وهو ما يجعلنا نرى في كل قارئ رحلة فكرية مختلفة، لكنها جميعًا تبدأ من صفحة وتعود إلى كلمة. وأجمع عدد من دور النشر المشاركة في المعرض إلى أن كتب تطوير الذات والتنمية البشرية تسجّل حضورًا لافتًا في قائمة الكتب الأكثر مبيعًا تليها الروايات والكتب الدينية، مؤكدين أن هذا التوجه يعكس تنوّع اهتمامات القرّاء وسعيهم إلى موازنة الجانب المعرفي بالروحي والوجداني. وشاركت المملكة بجناح مميز تنظمه هيئة الأدب والنشر والترجمة، يسلط الضوء على الإنتاج الأدبي السعودي ويستعرض التجارب المعرفية في ظل التحولات الرقمية، من خلال ندوات وجلسات حوارية تستقطب جمهورًا متنوعًا من الزوار والمثقفين. ورغم ما تتيحه التقنية من سهولة الوصول وسرعة النشر، يثبت الواقع أن الكتاب الورقي لا يزال حاضرًا بقوة، ليس فقط كوسيط للمعرفة، بل جزءًا من التجربة الإنسانية والثقافية المتجذّرة في المجتمعات. يُذكر أن معرض مسقط الدولي للكتاب يُعد من أبرز الفعاليات الثقافية في المنطقة، ويُشكّل منصة معرفية سنوية تجمع بين القرّاء والناشرين والمبدعين، ويؤكد من خلال زخمه الجماهيري وتنوع برامجه أن الكتاب الورقي لا يزال صامدًا في وجه التحولات التقنية.