من شغف الطفولة إلى النجومية عبر رحلة فنية ممتدة ولدت السوبرانو السعودية سوسن البهيتي عام 1987، وكانت منذ نعومة أظافرها شغوفة بالغناء والموسيقى. نما حبها للفن في أروقة بيتها، حيث كان والداها يشاركانها الألحان والأغاني. في عام 2008، بدأت مسيرتها الفنية بعد تخرجها من كلية الإعلام في الجامعة الأميركية بالشارقة. تقول سوسن: «في اللحظة التي تركت فيها عملي في التسويق، بدأت تتوالى الأفكار في ذهني لتحقيق ذاتي. ثم جاء خبر تأسيس الهيئة العامة للترفيه بأمر سام، كجزء من مبادرات رؤية 2030». بعد عامين من الإعلان عن الرؤية، جاء الإعلان عن إنشاء وزارة الثقافة بأمر ملكي في يونيو 2018، لتكون راعيًا وداعما حقيقيا للفنانين السعوديين. تعتبر سوسن هذه الخطوة الدافع الرئيسي لاتخاذ قرار الغناء والانطلاق في مسيرتها الفنية. وتضيف: «حينها جلست مع عائلتي وشاركتهم أفكاري ومخططاتي، تلقيت منهم ردود فعل مشجعة وداعمة للاستمرار في مشروعي، لأن طموحي يتجاوز مجرد الشهرة والأضواء المسرحية». وعن مكتشف موهبتها تقول البهيتي :» البروفيسور جون بركتر، قائد الأوركسترا البارز، هو الذي اكتشف مواهبي وشجعني. عبره، تعرفت على زوجته، فنانة الأوبرا ومدربة الصوت في الجامعة، التي تولت تدريبي على الغناء الأوبرالي. لطالما غنيت منذ طفولتي مع الجيتار، ومع مرور الوقت تطور صوتي واكتسب لياقة مميزة. كنت أؤدي أغاني الفنانة الشهيرة ويتني هيوستن، وخاصة أغنيتها «I Will Always Love You»، مما كان يسعد والدتي ويزيد من دعمها لي. هذا التدريب المكثف أسهم في نمو صوتي منذ سن صغيرة، وكنت أختار الأغنيات التي تتطلب طبقات صوتية عالية، مما ساعدني في الولوج إلى عالم الأوبرا. وتواصل:» قضيت أوقاتًا طويلة بين الدراسة والعزف والموسيقى، حيث كانت حصص تدريب الصوت تستغرق ساعة كاملة، بينما التدريبات الموسيقية مع الفرقة تضمنت التمثيل والغناء معًا، نظراً لأن الأوبرا بدأت كمسرح. فن الأوبرا، الذي يعتبر من فنون الملوك والأثرياء للمباهاة بالثروة والمكانة الاجتماعية، نشأ في إيطاليا وتحديدًا في مدينة فلورنسا، عندما ألف ياكويو بيري أول مسرحية موسيقية أوبرالية عام 1579م، مستنداً إلى فن المسرح الإغريقي الدرامي، وكان العنصر الموسيقي بالأسلوب الأوبرالي حينها جديدًا وفريدًا من نوعه. مهارات متعددة سوسن ليست فقط مغنية اوبرا موهوبة، بل هي متعددة اللغات أيضاً، حيث تجيد الإنكليزية، الفرنسية، الألمانية، والإيطالية. هذه المهارات اللغوية فتحت أمامها أبواباً عديدة للمشاركة في عروض أوبرالية عالمية على مسارح دولية مرموقة في مدن مثل لندن وبرلين. إلى جانب نجاحاتها العالمية، كانت سوسن دائماً حاضرة في المشهد الفني السعودي، حيث قدمت عروضاً مبهرة في الرياض والعلا، عملت كمديرة فنية في اللجنة الموسيقية بوزارة الثقافة السعودية وأسهمت في تأسيس الأوركسترا والكورال الوطني السعودي. كما قدمت دعمها السخي للمواهب الشابة في المملكة من خلال ورش العمل والدورات التدريبية.حالياً، تواصل سوسن تطوير مهاراتها وتوسيع آفاقها بدراستها في برنامج أوبرا متخصص في معهد موسيقي مرموق في إيطاليا، حيث تسعى لمتابعة مسيرتها المهنية الاحترافية بعزيمة وإصرار. المغنون في الكورال يتم تصنيفهم بناءً على طبقات أصواتهم. كنت أنا من ضمن طبقة الصوت المعروفة باسم «سبرانو». بفضل الله، وهبني صوتاً قوياً مكنني من الوصول إلى طبقتين صوتيتين: «السبرانو» و»الآلتو»، التي تُعد الطبقة المنخفضة للصوت الأنثوي. تلقيت توجيهات مكثفة من المايسترو حول كيفية التحكم بتلك الطبقات الصوتية بأسلوب صحيح. وحول العناية بحنجرتها تقول فنانة الأوبرا سوسن أنها تهتم بشكل كبير بحبالها الصوتية وطبقة صوتها. وتقول في هذا السياق: "ممنوع بشكل قاطع التدخين بكل أشكاله، وعدم استعمال الصوت العالي مهما كنت حزينة أو بحالة عصبية، لأن الصوت العالي يجرح الحبال الصوتية. كما أمتنع عن تناول مشتقات الألبان والسكريات قبل الحفل لمدة أسبوعين، لأنها تؤثر على الجيوب الأنفية وتسبب إفرازات في الحلق، مما يعيق الحبال الصوتية. وأعتمد على الأعشاب بكافة أنواعها، وأبتعد عن كل شيء يحتوي على الكافيين لأنه يطرد الماء من الجسم ويجففه، مما يؤثر على الحبال الصوتية لأنها تحتاج إلى مستوى رطوبة عالٍ جدًا. حين كنت في الرياض شعرت بجفاف، مما اضطرني لتشغيل مكواة البخار ورفعها على وجهي لاستنشق البخار كي يرطب حبالي الصوتية. وأحيانًا أضع فيها بعض الزيوت المفيدة والمختارة للترطيب.» حلم طال انتظاره وعن مشاركتها في «زرقاء اليمامة»، أول وأضخم عرض أوبرالي يقام في المملكة، عبّرت سوسن عن سعادتها وفخرها الكبيرين بهذا الإنجاز. وأكدت أن اختيارها لأداء أحد الأدوار الرئيسة في هذه الأوبرا التاريخية كان بمثابة تحقيق حلم طالما راودها منذ عام 2019. وأضافت أنها ترى هذا العرض كأفضل وسيلة لتقديم الثقافة السعودية إلى العالم، معربة عن اعتقادها بأن العمل أنجز بطريقة ممتازة. وعن مستقبل الفن الأوبرالي في المملكة تؤكد:» الفن يواجه تحديات كبيرة نظرًا لحداثة الموسيقى الكلاسيكية على الجمهور المحلي. إلا أن الحماس الكبير لحضور حفلات عمر خيرت وياني هو مؤشر مذهل إلى مستقبل أراه مشرقا للغاية للأوبرا في المملكة وأيضا كان مصدر تشجيع لي، مما دفعني للصعود على المسرح وتقديم هذا الفن. كلمات الشكر والإعجاب التي تلقيتها من الجمهور، بالإضافة إلى حماسهم، أسعدتني كثيرًا وأكدت لي أن الموسيقى الكلاسيكية قادرة على لمس مشاعر المتلقين بطريقة فريدة ومميزة.