مكافحة التسوّل.. فكرة عالمية وخطة سعودية

تقول أجندة التنمية المستدامة لعام 2030 في الأمم المتحدة: إن القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان يُعد أكبر تحد عالمي، ومطلبا لا غنى عنه لتحقيق التنمية المستدامة؛ لأنه سيخلق مجتمعات أكثر عدالة، ويواجه بفعالية ظاهرة التسول في بقاع الأرض، ويعزز فلسفة حقوق الإنسان، وفي دورتها الثانية والسبعين، تم تبني عقد الأمم المتحدة الثالث للقضاء على الفقر -2018-2027-، ليكون امتداداً لعقد الأمم المتحدة الثاني -2008-2017- من أجل القضاء على الفقر، وتؤكد الأمم المتحدة أن العقد الثالث سيدعم الأهداف الإنمائية المتفق عليها دوليًا المتعلقة بالقضاء على الفقر، بما في ذلك أهداف التنمية المستدامة، من خلال خلق فرص العمل، والتكامل الاجتماعي، والمساهمة في إنشاء مجتمع دولي يمكِّن من بناء مجتمعات آمنة وعادلة وحرة ومتناغمة توفر الفرص ومستويات معيشة مناسبة للجميع، وتتجدد تلك الأهداف مع الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على الفقر في 17 أكتوبر من كل عام.
مساعدات إنسانية
وتتوافق رؤية المملكة 2030 مع أهداف التنمية المستدامة، حيث ساهمت بأكثر من 87 مليار دولار من المساعدات الدولية، بهدف مكافحة الفقر ودفع عجلة التنمية؛ لأن المملكة أصبحت قوة استثمارية دولية، لها دور مهم في زيادة الموارد لتحقيق النمو المستدام، وفقاً لمعطيات برنامج التحول الوطني -أحد برامج رؤية 2030- بقيادة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- الذي يتوافق بقوة مع أهداف التنمية المستدامة، وتسعى المملكة بقوة لمحاربة الفقر دوليًا، من خلال المساعدات الإنسانية للدول النامية والأشد فقرًا، فضلًا عن دورها المساند للمنظمات الدولية المكافحة للفقر، وتقديم العون والإغاثة والمساعدات الخارجية المقدمة من مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، إلى جانب دعم ومساندة عدة برامج ومبادرات عالمية لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، وبرنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية، وصندوق الأمم المتحدة للطفولة.
منظومة خدمات
وتعمل المملكة وفق البرنامج العالمي لتوفير فرص عمل لائقة وضمان نمو الاقتصاد والصناعة والابتكار والبنية التحتية، والحد من أوجه عدم المساواة، وضمان حياة كريمة وصحة جيدة، فضلًا عن التعليم الجيد والمساواة بين الجنسين، لذا وفَّرت المملكة داخليًا منظومة الخدمات الاجتماعية، وطورتها لتكون أكثر كفاءة وعدالة ولتسهيل الوصول إليها، التي تركز على دعم نظام الضمان الاجتماعي وتشجيع الأفراد والمؤسسات على الأعمال الخيرية، من خلال برامج ومبادرات التأمين الاجتماعي والصحي ونظام التقاعد، والدعم الحكومي للغذاء والوقود والكهرباء والمياه، كما أطلقت برامج دعم سوق العمل، بما في ذلك برامج حماية الأجور، ودعم التوظيف، ودعم الباحثين عن عمل، لقد كانت مبادرات المملكة لمكافحة الفقر شاملة ومبتكرة، منها ما يتعلق بتحقيق أحلام المواطنين والحصول على مسكنهم الخاص، إضافةً إلى مبادرة حساب المواطن المنشأة لحماية الأسر السعودية من أي أعباء إضافية على بعض فئات المجتمع، وكذلك برنامج الضمان الاجتماعي لدعم الأسر غير المعولة واليتامى والعاجزين عن العمل، ودعم الجمعيات الخيرية بإشراف وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
طمع واستسهال
إن الرؤية العالمية للتسول تؤكد على أنه نتاج حالات الفقر والعوز، وعدم وجود فرص عمل، مع أن هناك آراء تشير إلى أن التسول في بعض الأحيان لا يرتبط بحالات الفقر، بل بالطمع، واستسهال الحصول على الأموال، باستخدام الاستجداء العاطفي المباشر، أو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولقد أصدر مجلس الوزراء في 7 صفر 1443ه، الموافق 14 سبتمبر 2021م، نظام مكافحة التسول، الذي يسهم في الحد من الظاهرة، وأثرها على المجتمع، ومتابعة المتسولين ودراسة حالاتهم، والقضاء على الوسائل والطرق التي تستغل هذه الظاهرة، فيما تكمن أهميته في التأكد من إيصال المساعدات إلى محتاجيها بالشكل السليم، حيث يتضمن المشروع عقوبات من شأنها المساهمة بشكل كبير في الحد من هذه الظاهرة ومعالجتها؛ لأنها ظاهرة تهدد أمن واستقرار المجتمعات، وهي ظاهرة عالمية انتشرت في معظم دول العالم، وللتسول أنواع عديدة منها التسول المباشر، وغير المباشر، والإجباري، والاختياري، والموسمي، والعارض، وتسول الشخص القادر، والشخص غير القادر، وغيرها، وعرّف النظام المتسول بأنه كل من يستجدي للحصول على مال غيره دون مقابل أو بمقابل غير مقصود بذاته نقداً أو عيناً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، في الأماكن العامة أو المحال الخاصة أو في وسائل التقنية والتواصل الحديثة، أو بأي وسيلة كانت، أما ممتهن التسول فيقصد به كل من قُبض عليه للمرة الثانية أو أكثر يمارس التسول.
سجن وغرامة
ولقد حظر النظام التسول بصوره وأشكاله، مهما كانت مسوغاته، حيث تلقي وزارة الداخلية القبض على المتسولين، ثم يتم إحالة المتسول للجهة المختصة بالتحقيق في مخالفات النظام، كما يُعاقب كل من امتهن التسول أو حرض غيره أو اتفق معه أو ساعده على امتهان التسول؛ بالسجن مدة لا تزيد على ستة أشهر، أو بغرامة لا تزيد على خمسين ألف ريال، أو بهما معاً، كما يُعاقب كل من امتهن التسول أو أدار متسولين أو حرض غيره أو اتفق معه أو ساعده على أي من ذلك ضمن جماعة منظمة تمتهن التسول؛ بالسجن مدة لا تزيد على سنة، أو بغرامة لا تزيد على مئة ألف ريال، أو بهما معاً، ويعاقب غير السعوديين بالإبعاد عن المملكة -عدا زوجة السعودي أو زوج السعودية أو أولادها- وفقاً لأحكام الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة بعد انتهاء عقوبته وفق الإجراءات النظامية المتبعة، ويمنع من العودة للمملكة؛ باستثناء أداء الحج أو العمرة، وأجاز النظام مضاعفة العقوبة في حالة عودة المتسول لفعلته، بما لا يتجاوز ضعف الحد الأقصى المقرر لها، ونص المرسوم الملكي بأن تُصادر -بحكم قضائي- جميع الأموال النقدية والعينية التي حصل عليها المتسول من تسوله، أو التي من شأنها أن تستعمل فيه، فإن تعذر ضبط أي من تلك الأموال؛ حكمت المحكمة المختصة بغرامة تعادل قيمتها؛ وذلك مع مراعاة حقوق حسني النية، وإذا شكل التسول -مهما كانت صوره وأشكاله- جريمة بموجب أنظمة أخرى؛ فتطبق العقوبة الأشد، حيث تتولى النيابة العامة التحقيق في المخالفات الواردة في النظام، وإقامة الدعوى أمام المحكمة المختصة.
توجيه وإصلاح
وتواصل الجهات الأمنية جهودها في مكافحة التسول من خلال القيام بمهامها الضبطية في جميع مناطق المملكة، في ضبط المتسولين في جميع مناطق المملكة، كما تم إطلاق برامج توعية بمخاطر التسول، ومناشدة جميع المواطنين والمقيمين بتوجيه عطائهم عبر الوسائل النظامية التي تضمن وصولها إلى المحتاجين، وعدم التشجيع على امتهان التسول، والمبادرة بالإبلاغ عن المتسولين على الرقم (911) بمنطقتي مكة المكرمة والرياض، و(999) في جميع مناطق المملكة.
وهناك جوانب أخرى أكثر إنسانية، تهدف من خلالها إدارة مكافحة التسول إلى تحقيق أسس التوجيه والإصلاح السليمة للمتسولين السعوديين، حيث يتم توجيه ذوي العاهات والمصابين بالعجز إلى دور الرعاية الاجتماعية للاستفادة من خدماتها، كما يحال المرضى إلى المستشفيات المتخصصة حيث تقدم لهم الرعاية الصحية المناسبة دون مقابل، أما المحتاجين مادياً فتصرف لهم المساعدات المالية من الضمان الاجتماعي أو الجمعيات الخيرية بعد دراسة حالتهم، كما يحال الصغار والأيتام الذين تنطبق عليهم لوائح دور التربية إلى هذه الدور، حيث توفر لهم الإقامة المناسبة والتنشئة الاجتماعية السليمة، أما المتسولون الأجانب الذين يشكلون نسبة عالية من المتسولين فإن مهمة متابعتهم وإنهاء إجراءات ترحيلهم تعنى بها الجهات الأمنية المختصة.
رعاية متكاملة
وتقوم مكاتب مكافحة التسول الأربعة باستضافة المتسول السعودي المقبوض عليه من قبل اللجان الميدانية، وبحث حالته اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً وصحياً، مع تقديم الخدمات الاجتماعية الصحية والنفسية والاقتصادية للمتسولين السعوديين حسب احتياج كل حالة، واستضافة العمالة الهاربة من منازل أصحاب العمل، والعمالة المنزلية المحالات من جوازات المطارات التي يتأخر أصحاب العمل عن استلامهم .
وتقوم مكاتب المتابعة الاجتماعية وعددها ثمانية مكاتب بصرف إعانات ذوي الاحتياجات الخاصة، ومتابعة الاطفال ذوي الظروف الخاصة لدى الأسر البديلة وصرف الإعانات للأسر الحاضنة، كما يقوم مركز رعاية شؤون الخادمات بالرياض باستقبال الخادمات الهاربات من منازل أصحاب العمل بالتعاون والتنسيق مع الأجهزة المعنية الأخرى في المملكة، وكذلك استضافة خادمات المنازل القادمات للعمل من خارج المملكة وتعاني بعض الظروف، مثل عدم استقبال أصحاب المنازل لهن في المطارات، والإشراف على رعايتهن اجتماعياً وصحياً، وتقديم الخدمات الأخرى، كالإرشاد والتوجيه والإعاشة والكسوة، وإشغال وقت فراغ الخادمات بما يعود عليهن بالنفع، من خلال البرامج والأنشطة لحين تسوية حقوقهن وإنهاء وضعهن من قبل الجهات الأمنية، ويقوم مراكز الأطفال المتسولين الأجانب بمكة المكرمة باستضافة الأطفال المتسولين الأجانب، ما دون سن الثامنة عشر وإيداعهم بالمركز الإيوائي بفرعيه الرجالي والنسائي، وتقديم أوجه الرعاية المتكاملة لهم لحين التحقيق معهم من قبل الشرطة والجوازات وإنهاء أوضاعهم.
منصات رسمية
واتخذت المملكة محاور عدة للقضاء على هذه الظاهرة ضمن ملف رؤية المملكة 2030، تمثلت في الدعم الحكومي المباشر للمواطنين الأكثر احتياجاً، من خلال إنشاء حساب المواطن، وتحديث الدعم حسب الحاجة، وتنظيم العمل الخيري في القطاع غير الربحي؛ لضمان توجيه التبرعات لمستحقيها الفعليين، وضمان عدم استغلال تلك الجهات الخيرية من جهات خارجية أو منظمات إرهابية، كما تم إخضاع العمل في القطاع غير الربحي للرقابة تحت مظلة وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، وتم إطلاق منصة إحسان والمنصة الوطنية للتبرع لتكون محور للتبرع ومنع العشوائية، كما تم حث المواطنين وتوعيتهم بعدم التبرع إلاّ لهذه الجهات عن طريق القنوات الرسمية.
المتسوّل قد يلجأ إلى الإنترنت طلباً للمال من الآخرين
التسول أحياناً لا يرتبط بالفقر بل بالطمع واستسهال الحصول على الأموال