وُهبت الإبل منزلة شامخة وشأناً عظيماً حتى عرف أنها «سفينة الصحراء» التي لا غنى عنها.. إذ تستعصي على الاستسلام، وجسورة في وجه الظروف، ولها مقدرة في مجابهة الصعاب، والاستغناء عن الطعام، وتجود بتحقيق الأمن الغذائي؛ لتكون جزءاً من عادات وتقاليد المجتمع، وتنعم بمحبتهم إلى أن ضربوا بها أمثالاً ذائعة ملأت الموروث الثقافي السعودي. ونجد أن هذه الأمثال اكتست بالبلاغة والإيجاز، وعكست الوعي المعرفي الذي يتحلى به أفراد المجتمع، وقد أعطت انطباعاً عن التراث الثقافي ورؤى الأجيال، واحتوت كذلك على نصائح وحكم تُقوّم السلوك، وترشد إلى القرارات الصائبة، إضافة إلى أنها عززت التفاعل الاجتماعي، وصوّرت تجارب الإنسان. ومن الأمثال: «لله درك»، وهو مأخوذ من إدرار حليب الإبل، ويعبّر عن دهشة شخص أراد إبداء استحسانه، وعلى النقيض منه إذا أرادت العرب ذم أحد تقول: «لا درّ درّه»، كما أن الإبل استلهمت لإيضاح آداب الطعام، من خلال «كل أكل الجمال وقم مع أول الرجال» أي تغذى سريعاً من دون شراهة، وأنهض مع الآكلين. وقيل: «أخف حملاً من بعير» إشارة إلى من يتكفّل بثقال الأمور، وأيضاً «جاؤوا على بكرة أبيهم» بمعنى أقبلوا من دون أن يتخلّف منهم أحد، و»خذ من الإبل ما قطع البطحاء» دلالة على الاستعانة بالأشداء. ونتيجة لهذا الحضور التاريخي والثقافي للإبل عند السعوديين، ورسوخها في البيئة المحلية؛ وافق مجلس الوزراء على تسمية عام 2024م ب»عام الإبل»، ومن جهتها تتولى وزارة الثقافة الإشراف عليه، تأكيداً على قيمة الإبل الفعّالة، وما تحفل به من أهمية في حياة أبناء الجزيرة العربية، علاوة على ارتباطها بالهوية السعودية. ولا تزال الأمثال التي تستعين بالإبل متداولة، ولا تنفك الألسن عن الاستشهاد بها، ورائجة حتى الساعة، ومنها «لا ناقة لي فيها ولا جمل» ويقولها من يتجنب الخوض في أمر لا يبالي به، إضافة إلى «ما هكذا تورد الإبل» وهي لمن فعل شيئاً وأخفق به، أما «تركت له الحبل على الغارب» فالغارب هو أعلى مقدمة السنام، إذ ينطق هذا المثل من أعطى أحدهم الحرية الكاملة في شؤونه. وتحفظ الذاكرة السعودية المزيد من الأمثال بألفاظ قليلة ومعانٍ جزيلة، تجسّد روح الثقافة لدى المجتمع، وتخبر عن جزالتهم في سبك المقصد، حيث غدت ثراء أدبياً ومنبعاً بلاغياً، ولذلك وصف ابن عبد ربه الأمثال قائلاً: «وشي الكلام، وجوهر اللّفظ، وحلي المعاني، التي تخيرتها العرب، وقدمتها العجم، ونطق بها كل زمان، وعلى كل لسان، فهي أَبقَى مِن الشعر، وأشرف من الخطابة، لم يسر شيء مسيرها، ولا عم عمومها، حتى قيل: أسير مِن مَثَل».