استمتعت يوم الأربعاء الماضي بمشاهدة عرض أوبرا فلكيري Walkyrie على مسرح شنغهاي الكبير لفرقة مسرح ماريانسكي الروسية تحت إشراف قائد الأوركسترا المتميز فاليري جيرجيف، الذي حضرت له عدة حفلات خلال السنوات الماضية، ففي نهاية هذه الأوبرا الملحمية الرائعة، أعطت فالكيري برونهيلد Walkyrie Brunnhilde لسيغليند Sieglinde قطع سيف سيغموند Siegmund المكسور، حتى يتمكن وريثها يومًا ما من تجميعها معًا واستخدام السيف في المعارك والإنجازات المستقبلية، وهكذا تفعل الصين، التي تعود لجمع بلدان العالم من جديد حول طريق الحرير، من خلال مبادرة "حزام واحد وطريق واحد"، من أجل بناء اقتصاد عالمي جديد. إن مبادرة "حزام واحد - طريق واحد"، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ في كازخستان قبل 10 أعوام، تضم اليوم أكثر من 150 دولة بينها بلدنا، فيما وقعت أكثر من 30 منظمة دولية على اتفاقات للتعاون في إطار المبادرة، وقد تمكنت المبادرة حتى الآن من رصد تريليون دولار من الاستثمارات، أطلقت في إطارها أكثر من 3 آلاف مشروع لتطوير البنى التحتية في حوالي 100 بلد يمر بها هذا المشروع الضخم، حيث ساهمت حتى الآن في إنقاذ 40 مليون شخص من الفقر. ولذلك، فإن المناقشات التي جرت في المنتدى ال3 للتعاون الدولي "حزام واحد - طريق واحد" في بكين الأسبوع الماضي والتي شارك فيها العديد من قادة العالم ومن ضمنهم "ضيف الشرف" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وممثلي أكثر من 140 دولة و30 منظمة دولية، كانت متعددة وتشمل العديد من المشاكل الاقتصادية العالمية، التي طفت على السطح في المدة الأخيرة، وهي كثيرة. وبدون شك، فإن منتدى بكين سوف يعطي دفعا قويا لهذه المبادرة، خصوصاً في هذا الوقت الذي يعيش فيه الاقتصاد العالمي ليس أفضل أيامه، فنحن هنا أمام مشروع ضخم يشابه مشروع مارشال Marshall Plan الذي أطلقته الولاياتالمتحدة عام 1948 لتعمير أوروبا بعد الدمار الذي لحق بها جراء الحرب العالمية الثانية. والفرق أن المشروع الصيني هو مشروع لا ينحصر على قارة واحدة. وعلى هذا الأساس، فإن المشروع إذا سار بنجاح وهو يسير حتى الآن كذلك، فإن النتائج المترتبة عليه سوف تؤدي إلى زيادة ارتباط اقتصاد البلدان التي يمر بها بالاقتصاد الصيني من ناحية، وتحول أو بالأحرى تؤجل قدوم الدورة الاقتصادية وتباطؤ معدلات نمو الاقتصاد الصيني من ناحية أخرى، وهذا وذاك أمر مهم، فالاقتصاد العالمي يقترب من الدخول في أزمة، ربما تكون نتائجها أكثر حدة مما شهدناه بعد عام 2008، فالمحافظة على نمو الاقتصاد الصيني سوف يخفف من حدة الأزمة المنتظرة، وذلك على النحو الذي جرى بعد عام 2008، والذي أدى إلى تحول الاقتصاد الصيني إلى ثاني أضخم اقتصاد في العالم، ولذلك فلننتظر ما سوف تسفر عنه التغيرات هذه المرة.
